كيفية الخروج

TT

منذ 100 عام فقط قررت إيطاليا الانضمام إلى النادي الحصري للقوى الاستعمارية الأميركية والأوروبية بشن هجوم على ليبيا. في الحقيقة كانت أول قنبلة تسقط من جانب طائرة إيطالية على رجال القبائل الليبيين في محاولة لكسر عزيمتهم في عام 1911.

أصبحت إيطاليا اليوم طرفا في تحالف غير مستقر يحاول من جديد، إن لم يكن غزو ليبيا فعلى الأقل إجبار حكومة البلاد على تنفيذ رغبته. وبعيدا عن ذلك، لا يبدو أن هناك اتفاقا كبيرا حول أهداف الحرب التي يخوضها التحالف. يقول البعض إنه من المفترض أن الهدف هو فرض الحظر الجوي، وذلك لأسباب إنسانية بحتة. يقول آخرون إن الهدف هو كسر شوكة آلة الحرب التي يملكها معمر القذافي لكي لا يتمكن من مهاجمة المتمردين الذين يهاجمونه. لكن يقول بعض آخر إن الهدف الحقيقي من الحرب هو تغيير النظام. ولا يبدو أن أحدا يعرف متى أو كيف سينتهي الصراع.

لقد تطورت الحرب الجوية بصورة كبيرة منذ بدايتها لأول مرة فوق ليبيا. طورت فرنسا طائرة حربية على الطراز الاستعماري، صُممت من أجل قصف وقتل سكان في شمال أفريقيا بواسطة مدفع رشاش في مؤخرتها. بعد ذلك اشتبكت طائرات ألمانية وأميركية وبريطانية وإيطالية في سماء ليبيا في الحرب العالمية الثانية، لكنها كانت حربا بين قوى الحلفاء والمحور، وليست ضد الليبيين.

عدنا اليوم إلى نوع من الحرب - كما في الفترة الاستعمارية - لا تواجه فيه الطائرات أي تهديد خطير في الجو، لكن يمكنها أن تتسبب في أضرار تفوق تلك التي حدثت عام 1911 ألف مرة.

يخوض الرئيس أوباما الآن حربا وفقا لاختياره. بعد أن ورث حربين في دولتين مسلمتين، أدخل أميركا الآن في صراع ثالث على أرض مسلمة، لا يستطيع أحد التنبؤ بما سيجري فيه. اذكر ما تشاء من أسباب إنسانية، لكن كما أعلن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أمام الكونغرس، الهجوم على ليبيا إجراء حربي.

عندما كانت بريطانيا القوة العسكرية الرئيسية، كان هناك تردد بين ما يمكن أن يطلق عليه «سياسة التقدم إلى الأمام»، بمعنى الرغبة العدوانية في توسعة نطاق النفوذ البريطاني حول العالم، وموقف إمبريالي أقل عدوانية. في القرن الـ19، كانت هذه السياسة تتقدم كلما تقلد بنجامين دزرائيلي منصب رئيس الوزراء ثم تخفت عندما يعود ويليام غلادستون إلى السلطة.

ربما يفضل أوباما أن يلعب دور غلادستون أمام بوش الذي يشبه دزرائيلي، لكن مثل غلادستون، من الممكن أن يقتنع أوباما بخوض مغامرات عسكرية كان يفضل تجنبها. يأمل أوباما في الحد من التدخل بقوله إن الولايات المتحدة لن تكون مسؤولة عن قيادة العملية، ولكن ليس من المرجح أن يكون ذلك مقنعا.

تتطلع جميع قوى التحالف إلى أن تكون هذه العملية قصيرة ودقيقة، وأن تنتهي في القريب العاجل لكي تتحقق الديمقراطية وتتمكن جميع القوى الأجنبية من العودة إلى ديارها. لكن لأنه لا يوجد اتفاق فعلي حول كيفية انتهائها، أو ما هي المهمة من الأصل، أو ماذا سيحدث إذا لم ينحن القذافي، فلا يمكن أن تكون هناك استراتيجية خروج واضحة. كذلك نحن لا نعرف ما إذا كان الثوار الليبيون سيتمكنون من إقامة نظام ديمقراطي حقيقي فعال، أم لا. وكما كتبت خبيرة شؤون الإرهاب جيسيكا ستيرن، ينتهي الحال بمعظم الدول التي تطيح بحكام مستبدين إلى مكان ما في منتصف الطريق ما بين الديمقراطية والحكم المستبد.

في الواقع، هناك عدد محدود للغاية من استراتيجيات الخروج التي تسير كما هو متوقع لها. وأنا متأكد من أن وزير الدفاع في إدارة بوش دونالد رامسفيلد لم يفكر مطلقا في أن الهجوم على العراق الذي ساعد على تنظيمه سيترك قوات أميركية على الأرض هناك لمدة ثمانية أعوام بعد ذلك. ولم يكن يعرف أيضا أن هجومه الناجح على أفغانستان سينتهي بعد عشرة أعوام إلى «المستنقع» الذي كان يسخر منه عندما تنبأ به البعض. كان الدخول في هاتين الحربين أسهل من الخروج منهما.

من الصعب تخيل أن من يهاجمون ليبيا الآن لن يشعروا بالضغط من أجل إنزال بعض القوات على الأرض إذا بدا أن القذافي سيتمسك بموقفه على المدى البعيد، أو بدت ليبيا معرضة لخطر أن تصبح دولة فاشلة مثل الصومال، وهي الأخرى مستعمرة إيطالية سابقة تدخلت الولايات المتحدة فيها لأسباب إنسانية.

ماذا سنفعل إذا انقلب ميزان القوة في ليبيا وبدأ الثوار في قتل مؤيدي القذافي؟

بدأ القذافي، الذي صور نفسه على أنه محصن ضد «القاعدة»، في استخدام لغة أسامة بن لادن، حيث يصف مهاجميه بـ«الصليبيين». وبذلك يضع إطارا للصراع على أنه حرب المسيحية ضد الإسلام.

حتى الآن يغيب تنظيم القاعدة عن الربيع العربي، ولا يملك الغرب فعل شيء حيال الانتفاضات المشتعلة ضد الأنظمة المستبدة. ولكن ربما يتغير ذلك الآن بعد أن لجأ أوباما والغرب إلى خيار عسكري.

* خدمة «نيويورك تايمز»