لجنة برلمانية

TT

مساء الثلاثاء الماضي ناقش مجموعة من الزملاء البارزين وضع الصحافة في مصر على قناة «دريم». تناول النقاش وضع 45 ألف عامل في الإعلام الرسمي، كان الرأي أنه يمكن خفض العدد إلى 15 ألفا. وتطرق الجدل إلى مستقبل مسؤولي الصحافة في العهد الماضي. وكان بين الاقتراحات أن تحال مسألة تنظيم الإعلام على «لجنة نيابية» بعد انتخاب مجلس الشعب العتيد.

لنا في ذلك ملاحظات، يرجى أن يتسع لها صدر «الثورة». الأولى أن دولة مثل السويد، التي يفترض أنها نموذج الدول المدنية الراقية، توظف أعدادا فائضة من الناس، رغم معرفتها بعدم الحاجة إليهم، كجزء من مسؤوليتها الاجتماعية. صحيح وصحي أن الإعلام الرسمي لا يحتاج إلى أكثر من 15 ألفا، لكن إلى أين سيذهب ثلاثون ألف عاطل عن العمل؟

الثانية، يرجى أن ينظر في أوضاع مسؤولي الصحافة مهنيا، لا سياسيا ولا عقابيا ولا ثأريا. فمن هو الصحافي الذي كان سيرفض رئاسة تحرير «الأهرام» ورئاسة مجلس إدارة «الجمهورية» بداعي الاعتراض على توريث جمال مبارك؟ لقد تصرف هؤلاء السادة، بكل مهنية وكل مسؤولية، عندما نقل المصريون دولتهم من حال إلى حال. فعلوا ذلك بحرفية مشهودة وهدوء وضمير. ويجب أن يعاملوا على هذا المستوى.

الثالثة، الاقتراح القائل بتوكيل لجنة نيابية الإشراف على تنظيم الصحافة. هل الصحافة أشغال عامة أم دائرة تموين؟ يذكرني ذلك بيوم دخل مصطفى أمين إلى مكتبه فوجد خلفه ضابطا عين لإدارة «أخبار اليوم». وبكل هدوء قال عملاق الصحافة المصرية ورائد حداثتها للرائد في سلاح الإشارة: هل تسمح لي بأن آخذ سيجارة من الدرج؟

نشأت الصحافة المصرية الكبرى في زمن الحريات. صنعها صحافيون معروفون ومجهولون. لم يطورها الضباط ولا النواب ولا مدير وزارة الصحة. ولذلك الأفضل أن تسلم قضاياها إلى مجموعة من أهلها. ولكن ألن يكون لهؤلاء مشاعرهم وعواطفهم وحتى مصائبهم؟ طبعا. والنواب أيضا. لكن الميزة أنه سوف يكون لهم أيضا معرفتهم وخبرتهم. فيهتم النواب بالرقابة على أداء الحكومة وتحديث العمل البرلماني وملاحقة أساطيل الفساد.

استعان بعض صحف الخليج بشركات عالمية في عملية التطوير والتحديث. لا ضير في ذلك. وربما حان وقت التطوير في صحافة مصر القومية، كما حان وقت تطوير صحف لبنان، كما حان وقت تطوير صحف المغرب، كما حان وقت قيام صحافة في تونس، شبيهة، على الأقل، بالصحافة التي أقامها التونسيون في الخارج. لكن تحديث الصحافة لا يأتي من البرلمان على ظهر قانون أو مرسوم. يأتي من عودة صحافة مصر إلى زمن الشغف والمنافسة وتقاسيم محمد التابعي.