سورية.. والصلاة ببطاقة الهوية!

TT

بينما كانت مذيعة إحدى الفضائيات تقول: إن الأوضاع هادئة في سورية، وإن السوريين أظهروا وعيا ولم يستجيبوا لدعوات الخروج للتظاهر والاحتجاج.. كان السوريون، في بعض المساجد، تؤخذ منهم بطاقاتهم الإثباتية عند دخول المسجد لصلاة الجمعة، لتعاد لهم بعد الصلاة عند خروجهم!

لكن الطريف هو أنه بعد حديث المذيعة عن الهدوء بدقيقة تقريبا كان هناك «فلاش» عاجل على الشاشة نفسها يقول إن مظاهرات خرجت في عدة مدن سورية، منها: دمشق وبنياس وحمص واللاذقية! المراد قوله هنا هو أن الحلول الحقيقية في سورية، وغيرها من الدول العربية، هي التعامل بجدية مع هذا الزلزال السياسي الذي يضرب المنطقة، وذلك بخطوات إصلاح حقيقية، على مستوى إصلاحات تصل إلى المواطن مباشرة، وكذلك إصلاحات تطال البنية الأساسية بالبلد، والنظام نفسه، وذلك في أي مكان، وليس سورية وحسب. الإعلام قد يضلل، لكنه لا يغير الحقائق؛ فالإعلام مثل المسكنات أحيانا، ومثل المشهيات أحيانا أخرى، لكن المظالم والجمود في مؤسسات الدولة، أيّ دولة، يعجلان بتصدعها وسقوطها، مهما كانت محاولات الترقيع.

فأبسط مثال هنا على أن الإعلام ليس الحل هو التغطية الإعلامية لخطاب الرئيس الأسد الأخير أمام مجلس الشعب السوري، فما إن قال الرئيس السوري إن بلاده تتعرض لمؤامرة خارجية إلا وكررت وسائل الإعلام العربية، خصوصا المرئية، الكلام نفسه طوال اليوم، بينما كانت هناك مظاهرات في اللاذقية! أما التلفزيونات الغربية فكانت تتساءل طوال اليوم أيضا، بعد خطاب الرئيس السوري: ممن؟ أي: من الذي يقوم بالتآمر على سورية؟ والفارق كبير، لكن الأهم هنا هو المواطن، هل هو مقتنع فعلا بأن هناك مؤامرة، أم أنه يرى أن هناك مظالم حقيقية؟ وهنا السؤال!

وعليه، فإن استمرار خروج المظاهرات في سورية، وحتى يوم أمس، يعني أن المطالب الشعبية لم تقابَل بحلول عملية، وأن الحلول، إلى الآن، غير ناجعة، والمزعج في الحالة السورية أن المطالب ما زالت طبيعية، ومقبولة، ومقدورا عليها، ولن تؤدي إلى إضعاف البلاد، أو هدم المعبد على من فيه، كما يقال، لكن الاستجابة الحكومية ما زالت ضعيفة بشكل غريب. والإشكالية أنه كلما تأخرت الحلول زادت المطالب، وكلما اشتدت المواجهات العنيفة ضاق الأفق، وهذا ما رأيناه في سلسلة التجارب الأخيرة في المنطقة.

والمراد قوله: إنه ما زال بمقدور دمشق أن تنزع الفتيل بسلسلة قرارات حقيقية، وليس وعودا بدراسات، أو الإبدال بقانون الطوارئ قانون مكافحة الإرهاب، أي إبقاء الأمر على ما هو عليه، وذلك لتجنب المواجهات والعنف؛ فعدد القتلى من المتظاهرين، إلى الآن، قد فاق العشرات، وإن كانت هناك تقديرات تقول إنه بلغ الستين، وحتى لو أحكم النظام قبضته الأمنية وبقي صامدا فإنه سيواجه صعوبات داخلية وخارجية لها أول وليس لها آخر، بينما لو أقدم على إصلاحات حقيقية فبكل تأكيد أنه سيخرج أقوى مما كان، لكن المؤشرات تقول إن دمشق لا تستوعب من تجارب الآخرين.

والسؤال الآن هو: أين سيصل سقف المطالب في سورية؟

[email protected]