صندوق الأسرار

TT

حتى الآن يقال إن ثلاثة تخلوا عن الأخ القائد: أحمد قذاف الدم، مكلف العلاقات الإعلامية واستثمارات مصر. وموسى كوسا، العارف بتفاصيل المهام النظيفة، من إسقاط الطائرات المدنية إلى التعويض لضحاياها. وعلي التريكي، السفير لدى الأمم المتحدة قبل ربع قرن ثم السفير في باريس، ثم راعي العلاقات الخاصة مع حكام أفريقيا. انشقاق أحمد قذاف الدم لا يزال غامضا. فقد أصدر بيانين لا يخرجان عن العمومية والدعوة إلى «حقن الدماء»، من دون أي استنكار أو إدانة للنظام أو لأعماله. واعتزال التريكي، الذي كان من أوائل وزراء خارجية العقيد، صدر في بيان مقتضب. وأما المفاجأة الكبرى فقد كانت خروج موسى كوسا في عملية لا يشبهها سوى أفلام جيمس بوند، الذي يبدو أنه قام شخصيا بوضعه على طائرة عسكرية بريطانية نقلته من تونس إلى بريطانيا!

ثلاثة من خزائن الأسرار لنظام كان يقضي على الملل في باب العزيزية باصطياد الطائرات المدنية وتدبير مصاريف الألوية الحمراء وخطف وزراء النفط العرب في فيينا ودعم الجيش الجمهوري الآيرلندي والتآمر لاغتيال بعض القادة العرب، خصوصا أصدقاءه مثل جعفر النميري. هل موسى كوسا لاجئ سياسي أم وسيط؟ حرص رئيس وزراء بريطانيا على القول إن الرجل لم يعط الحصانة الدبلوماسية. أي لم تعقد معه صفقة تمحو ما هو متهم به، بدءا بإطلاق النار على الشرطة البريطانية يوم كان سفيرا في لندن، مرورا بمفاوضات لوكربي التي أدارها، مرورا بطائرة «يوتا» الفرنسية، مرورا بمرحلته الداخلية كرئيس لألطف أنواع المخابرات العربية. كنا نشاهد - من بعيد - أحمد قذاف الدم في أوروبا، وكان يبدو سعيدا غير متبرم بما هو عليه. وفي السنوات الأولى للفاتح العظيم كان يحرص على حمل عصا غليظة ثقيلة الوزن. وأما الدكتور علي التريكي، فكان يقال إنه ليس فائق الفرح والابتهاج، بقدر ما هي أحكام الضرورة. وكان عمله كمثل وظيفة أمين الصندوق في البنوك، يدفع للأفارقة بالملايين ويتقاضى راتبه الرسمي بالملاليم. وكان يعتقد أن الليبيين أحق بكل هذا، ولكن التعبير عن ذلك كان يمكن أن يعرضه لعدالة اللجان وحكم الشعب. كيف سينظر العالم إلى خروج موسى كوسا، الذي يفترض أنه الرجل الثاني في نظام لا ثاني فيه؟ هل سوف يعتبر أنه أصبح في حل من كل المسؤوليات لمجرد أن جاء ووضع على الطاولة كل ما يعرف؟ هل سوف يفضح أدوار بعض الغربيين الذين تواطأوا مع النظام؟ هل سوف يكشف عن العلاقة مع أفارقة من نوع تشارلز تايلور، رئيس ليبيريا السابق، المحال الآن إلى المحكمة الجنائية الدولية؟ هل سوف يكشف لليبيين عن مصائر الذين اختفوا منهم؟ كم هو طويل هذا الاعتراف!