ما هو قرار أوباما بشأن الميزانية؟

TT

ثمة شخص ما يجب أن يقدم باراك أوباما الذي وجه خطابا إلى الأمة يوم الاثنين عن ليبيا، إلى باراك أوباما الذي كان موقفه متأرجحا وغير مؤكد بشأن الجدل المثار حول الميزانية. ففي خطاب أوباما عن الوضع في ليبيا، كانت كلماته واضحة وبليغة ومعبرة عن ضميره الحي. بالطبع كانت هناك بعض الجوانب الغامضة في خطابه، غير أنها كانت نتيجة الموقف الغامض في الساحة، وليست وليدة تفكير مشتت. لقد جادل لصالح سياسة خارجية تقوم على الأخلاقيات ولكنها في الوقت نفسه مواكبة لصعوبات اتخاذ إجراءات حكيمة في عالم يعوزه الكمال ولا يرضخ بسهولة لإرادة رجل واحد أو دولة واحدة.

وعلى صعيد الميزانية، بالمقارنة، من الصعب معرفة النتيجة النهائية التي توصل إليها الرئيس الأميركي وماهية الاتفاقات أو الصفقات التي سيتعامل معها باعتبارها مقبولة أو متى حتى سيشارك في النقاش الدائر حول هذا الموضوع.

يصر البيت الأبيض على إبقاء الرئيس بعيدا عن الجدال الفوضوي بشأن الميزانية والذي لن يسمح حتى لحلفائه في الكونغرس بذكر تحليلات الإدارة حول مدى الضرر المتوقع أن تسببه بعض تخفيضات الميزانية المقترحة من جانب الجمهوريين. ويمكنهم توظيف الحقائق ولكن دون قول إن الإدارة جمعتها معا. ما المشكلة في هذا؟

لم يكن أوباما خائفا من مواجهة مخاطر تتعلق بالوضع في ليبيا، بما فيها خطر التعرض للنقد من جميع الأطراف بسبب رفضه التام وضع سياسة شاملة إزاء الانتفاضات المختلفة في الشرق الأوسط. ومن الممتع أن تشاهدنا نحن الصحافيين نرتدي عباءة علماء القرون الوسطى بينما نحلل كل كلمة يتفوه بها بحثا عن «مبدأ أوباما».

غير أن آخر شيء تحتاجه الولايات المتحدة هو أسلوب نظري في التعامل مع سلسلة من الخلافات والصراعات التي من شأنها أن تؤثر على مصالحنا بصور مختلفة والتي نتمتع فيها بقدرات متنوعة جدًا على التأثير في النتائج. وعندما يكون «التاريخ ماضيا قدما»، وفقًا للعبارة التي صاغها أوباما بأسلوب جذاب، يمكن أن تكون الأطر السياسية الصارمة خطيرة.

ما قدمه أوباما بالفعل كان عبارة عن دفاع أمين وقوي بصورة استثنائية عن التدخل النابع من نزعة إنسانية.

قال أوباما: «من المؤكد أن أميركا لا تستطيع استخدام القوة العسكرية في كل مكان يحدث فيه قمع». وأضاف قائلا: «ونظرا للتكاليف والمخاطر التي ينطوي عليها التدخل، علينا دائمًا أن نقيّم مصالحنا في مقابل حاجتنا لاتخاذ إجراء حاسم. غير أن هذا لا يمكن أن يكون حجة نتذرع بها لعدم اتخاذ أي إجراء دفاعا عن الصواب. وفي هذه الدولة بعينها - ليبيا - في هذه اللحظة تحديدا، نواجه احتمال اتساع نطاق العنف بصورة مروعة. وكانت لدينا قدرة فريدة على وقف ذلك العنف».

لقد كان محقا في تكراره استخدام كلمة «بعينها» أو «تحديدا»، كما كان مصيبا أيضا في القول إننا لم يكن علينا أن نتخذ إجراء أحادي الجانب. فمن الأفضل للولايات المتحدة أن تحتفظ بقوتها وتأثيرها بتوسيع نطاق السبل التي يمكنها من خلالها أن تتعاون مع الدول المتوافقة معها في عقليتها.

وبعيدا عن جناح الحزب الجمهوري الذي يؤمن بأن أي إجراء يتخذه أوباما يجب بالضرورة أن يكون خاطئا، هناك اتجاهان نقديان مشروعان لسياسة أوباما إزاء الوضع في ليبيا. يتمثل أحدهما في وجهة النظر الواقعية القائلة إن الولايات المتحدة كان من المفروض أن لا تتدخل لأننا قد قدمنا بالفعل وعودا مبالغا فيها ولا نعرف حتى من هم الثوار. أما الاتجاه الآخر، فيتمثل في أننا بإعلاننا أن معمر القذافي يجب أن يرحل، نحتاج إلى المضي قدما في الطريق نحو تحقيق هذا الهدف حتى النهاية، من تسليح للثوار واتخاذ أي إجراءات أخرى مطلوبة لضمان انتصارهم على قوات القذافي.

لن يتأثر الواقعيون (في هذا السياق، دعاة السلام) برأي أوباما المبني على نزعة إنسانية، لكنني أشك في أن كثيرا من الأميركيين كانوا مقتنعين بأن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يمكنهم الوقوف موقف المتفرج في مواجهة «احتمال اتساع نطاق العنف بصورة مروعة». وفيما يتعلق بتقديم مزيد من المساعدات للثوار، ربما يتم اتخاذ قرار بذلك. ولكن بعد تجربتنا في العراق، أفضِّل وجود رئيس منتبه لتكاليف مهمة عسكرية موجهة لتغيير نظام ولا ينحي جانبا بدرجة ما مخاطر الوقوع في مأزق.

ربما يساور أوباما الخوف نفسه من المآزق فيما يتعلق بالجدال بشأن الميزانية، غير أن هذه ليست معركة يمكنه تجنبها. وحتى الآن، كان يظهر بدرجة أكبر بمظهر الحكيم أو القاضي المتحفظ، مصدرا أحكاما عن بعد بشأن سلوك الأطراف المختلفة. وقد أشار منذ بضعة أسابيع مضت قائلا: «سيتعين على كلا الطرفين الجلوس والتشاور بشأن التخفيضات الرشيدة في الميزانية». حسنًا، ولكن ألا يبدو هنا منحازا لجانب؟ إنه يتحدث من حين لآخر عن أولوياته، ولكنه لم يتخذ أي إجراء يدعم هؤلاء الذين يحاولون بالفعل اتخاذ موقف الدفاع عنه في الجدال المحتدم في الجانب الآخر من شارع بنسلفانيا.

وفي خطابه يوم الاثنين، تحدث الرئيس عن التزامنا «بأن نتمسك بالقيم التي تشكل أهمية لنا». لقد قام بهذا على نحو مُرضٍ في ليبيا. ويحتاج إلى اتباع الأسلوب نفسه في معالجة قضية تتعلق بالوطن.

* خدمة «واشنطن بوست»