تقرير أول ثلاثة شهور!

TT

ثلاثة أشهر انقضت على انطلاق الانتفاضة الشبابية بالعالم العربي، أو كما يسمى الآن الربيع العربي، وهناك تفاوت كبير في النتائج ما بين دولة وأخرى يؤكد أنه على الرغم من وجود مطالب مشتركة ومشكلات واحدة في جميع أنحاء دول العالم العربي، فإن التفاصيل الخاصة بكل دولة تخرج النتائج بأشكالها المختلفة. تونس يبدو أنها تسير في طريق جيد وإلى حد كبير مستقر، خرج الجيش سريعا من المشهد السياسي، وسلمت الأمور للسلطة المدنية من اليوم الأول، والتي تبدلت، وتم إلغاء الحزب الحاكم وتحرير الإعلام وتطوير الدستور والحقوق والصلاحيات. هناك شكاوى كبيرة وطلبات مهولة، ولكن الشيء اللافت أن تونس اختارت النظر والتركيز على المستقبل، بدلا من الانتقام من رموز الأمس وتصفية الحسابات.

في مصر، المشهد مختلف تماما؛ حجم القضايا والخلافات على حلها بين الحكومة ومطالب الناس يعطل المسيرة الإصلاحية، وهناك موجة «تشكيك هائلة» في نيات الإسلاميين والحزب الوطني القديم، وخصوصا فيما يتعلق بنتائج الاستفتاء الأخير الخاص بتعديلات مهمة على الدستور، ولكن الجهد والوقت والأعصاب الموجهة لتصفية الحسابات مع رموز النظام القديم أضاعت فرصة الانطلاقة المأمولة للثورة المصرية، وولدت انشقاقات داخل المجتمع، والثورة الآن يتم سحبها في اتجاهات مختلفة لا علاقة لها ألبتة بروح الثورة وتوجهاتها، ولكن هناك أملا كبيرا في أن هذه المرحلة مجرد مرحلة انتقالية متوقع حدوثها ستتغير مع الحراك الأكبر الذي سيحصل في الانتخابات الرئاسية القادمة التي ستليها انتخابات برلمانية ويتبعها تغيير للدستور. المشهد اليمني معلق بين اعتصامات سلمية هائلة يقوم بها مناصرو المعارضة وفي دولة بها أكبر قدر من التسليح بين الناس، ويبدو مذهلا ومدهشا كم الانصياع للنداء السلمي وخلو الاعتصام من العنف، إلا من قبل عناصر الأمن الذين أردوا أعدادا ليست بالقليلة بين قتيل وجريح، ولكن الرئيس اليمني يستمر في مناورات ومهاوشات سياسية مع المعارضة، مع الاستمرار في مسلسل هروب رموز الحكم من حوله الواحد تلو الآخر، وتفكك الدعم القبلي بشكل خطير، أما القذافي فهو في سكرات الموت السياسي وحشرجة الخلاص منه باتت قريبة، لم يبق له حكومة ولا مدن ولا شعب يؤيده، مجرد أنفار من قبيلته ومرتزقة معهم. إنها وحشية بدائية أشبه بصراع الغابة الوحشي، وباتت مسؤولية ضمير المجتمع الدولي بضرورة الخلاص منه بأي شكل. البحرين لا تزال الحالة فيها «رخوة» للآن، سقطت مطالب المعارضة الوطنية المشروعة في أوحال الطائفية، وخسرت المعارضة فرصة إصلاحية بغباء شديد، لأنها لعبت كارت الطائفة فوق كارت الوطن ففقدت الثقة وراحت المصداقية وعادت المسألة إلى المربع الأول، ولن تحل بحوار الوسطاء وخروج إيران من الصورة بعد تورط حزب الله في تدريب وتوجيه عناصر من طرفه للتخريب في البحرين، وهو الذي تم كشفه والإعلان عنه. عمان الحال أهدأ، ولكن غير مستقر. حالات الاعتصام وإن قلت، فإنها لا تزال موجودة، والمطالب لم تنفذ كلها، ويبدو أن هناك رهانا على رجاحة وحكمة الحكومة الجديدة في طرح حلول أخرى محورية تحقق نجاحات وإنجازات ملموسة.

سورية معضلة خطيرة والوضع فيها مقلق، والرئيس المحبوب كان الناس يتوقعون منه أكثر مما قدم في خطابه والخوف الأكبر أن يتم ربطه ذهنيا بينه وبين العناصر المخيفة والمعيبة في النظام، فيفتقد الفرصة الذهبية للإصلاح. الأردن هناك قلاقل، وعاد الطرح العنصري البغيض للسطح، فأصبح الأردني «الأصلي» يقدم نفسه ويوضح انتسابه العشائري وذلك في سقطة واضحة للدولة والمجتمع المدني الذي كان معروفا في الأردن.

أول ثلاثة أشهر كانت مضطربة وبنتائج متفاوتة، اختلطت فيها مشاعر الخوف والأمل والحزن والقلق والحماس والإحباط، والمشهد لم يكتمل والتفاصيل يكمن فيها دوما الشيطان.

[email protected]