صديق السلطان كراكب الأسد!

TT

لسبب ما أحببت الشاعر العباسي ابن الأحنف. ولا أعرف متى ولد، وإن كان قد مات في 807 ميلادية. هو شاعر لطيف ظريف، عاشق عندما يفرغ من مجالس الخليفة وليله الطويل. وهو شاعر عفيف اللسان في الغزل، وكذلك كان عمر بن أبي ربيعة. وكان الخليفة هارون الرشيد يحبه ويصحبه في رحلاته. وكما أحبه بقوة غضب عليه بعنف. وكذلك من يعرف السلطان أو الخليفة. إنه مثل راكب الأسد؛ يخاف إن ركبه، ويخاف أكثر إن ترجل بعيدا عنه.

ثم أدناه هارون الرشيد. وهارون الرشيد يستمتع كثيرا في ليالي الأنس ويغضب كثيرا. ولا يهمه، فالزحام على بابه شديد من الشعراء والمداحين والمنافقين..

ويذكرني بما كان بين موسوليني والشاعر الصديق له داتسيو.. وبقدر ما يجذبه إليه، فإنه يدفعه بعيدا عنه. ويقال إنه في إحدى المرات طلبه موسوليني إلى رحلة طويلة. فكتب له خطابين؛ في أحدهما يشكره، وفي الثاني يعتب عليه، ويذكره بما كان بينهما، وما كان بينهما أن موسوليني كان يصطاد الجميلات، وإذا غضب موسوليني على إحداهن طلب إلى الشاعر أن يعتذر عنه، وأن يعيدها إليه، وكذلك كان يفعل العباس بن الأحنف. بل عندما عرف بخلاف بين هارون الرشيد وإحدى الجاريات كتب يقول:

العاشقان كلاهما متجنِّب

وكلاهما متعتِّب متغضِّب

صدَّت مغاضبة وصدّ مغاضبا

وكلاهما مما يعالج متعب

راجع أحبتك الذين هجرتهم

إن المتيم قلما يتجنّب

إن التجنب إن تطاول منكما

دب السلوُّ له فعز المطلب

وفهم هارون الرشيد ما الذي يقصده العباس بن الأحنف، فأعاد الجارية التي كان يحبها، وأعاد الشاعر إلى لياليه..

ولما عرف الخليفة أن الشاعر يغازل إحدى غانيات الخليفة دون إذن منه أبعده وهدده بالقتل إن عاد إلى هذه الحماقة. وقرر الشاعر أن يلزم بيته وأن لا يلبي دعوة الخليفة. فذهب إليه الخليفة، ونزلت الدموع من عيني الشاعر. ولما سأله: وما الذي أبكاك؟ فقال: الذي جفف الدموع في عينيك، وفي يديك أيضا!

ففهم الخليفة، وأجزل له العطاء.. وكانت القطيعة بين شاعر عفيف وخليفة ليس كذلك!