أليس كذلك؟

TT

بدأت الهيئة الوطنية التأسيسية في تونس بعشرين عضوا، ثم توسعت إلى 120. وبين هؤلاء الدستوري القديم والإسلامي المتطرف، كما ظهر للمرة الأولى في تاريخ تونس حزب شيوعي يطالب بحقه في صياغة مستقبل البلاد، ربما يكون مستعينا بالنموذج الناجح في الاتحاد السوفياتي وألبانيا وأوروبا الشرقية. وفي مصر عيَّن الثوار رئيس الوزراء الجديد وأقالوا العهد السابق واختاروا رؤساء تحرير الصحف ودفعوا بدستور جديد أيده 70% من الناس، ومع ذلك لا يزالون ينزلون إلى ميدان التحرير من أجل حماية الثورة من الانحرافيين والمرتدين والمتآمرين. وظل تيتو وستالين وثيودور جيفكوف ونيكولاي تشاوشسكو يستخدمون هذه التعبيرات حتى اليوم الأخير.

هذه طبيعة الثورات وميولها الارتيابية وبلوغها إلى نقطة الاختلاف عند خط الوصول: من يمثلها حقا، أهل اليسار أم اليمين أم الوسط أم الاعتدال أم المتطرفون هنا وهناك؟ من المستحيل أن تبقى قضايا مصر (وتونس) في ميدان التحرير. إما أن يتفق الثوار على مجلس يمثلهم وإما أن مصر سوف تمضي في هذا الانزلاق المخيف نحو فلتان الأمن والفوضى وغياب القرار.

لا تمكن إقامة الدول ولا تجديدها في الفوضى. التعدد ليس التشتت. وسوف نرى ذلك بعد حين عندما تندم مصر على اقتراعها على دستور يكرس التمييز بين المصريين. فماذا يعني، مثلا، حرمان حاملي الجنسية المزدوجة من الترشح؟ هل المقصود استبعاد نحو 20% من المصريين؟ هل يعني إلغاء علماء مثل أحمد زويل وفاروق الباز أو أباطرة أعمال مثل محمد الفايد؟ ألم يتذكر واضعو الدستور أن الدخل الآتي من الهجرة المصرية يؤمن حياة الملايين ممن لا يحملون سوى جنسية واحدة؟

كتب الدكتور مأمون فندي كثيرا في هذا الأمر وأهل مصر أدرى بها. لكنني لم أفهم المادة التي تخصص 50% من مقاعد مجلس الشعب للعمال والفلاحين. فهل غيرت مصر دستورها أم نظامها؟ دعونا نذكر أولا أن أهم رئيس في تاريخ البرازيل كان عاملا بسيطا، وأن أهم رئيس في تاريخ بولندا (فاليسا) كان عامل كهرباء.

لكن لولا دا سيلفا وصل إلى رئاسة شبه القارة البرازيلية ليس لأن في الدستور حصة للعمال، بل لأن المجتمع البرازيلي قرأ في سيرته (وفي سيرة خليفته) شخصا مستحقا. ليس في بريطانيا دستور لكي ينص على وجوب وصول ابن مهرج في سيرك (جون ميجور) إلى رئاسة الوزراء. إن الذي يعطي العمال والفلاحين حقوقهم ويحسن في أحوالهم ويؤمن لهم الضمان الاجتماعي، ليس أعداد من يمثلونهم في مجلس الشعب، بل من يصنع اقتصادا يؤمن لهم الأعمال والكرامة والمدارس المجانية لأبنائهم. لقد أخبرنا تاريخ العالم أن أفضل ممثلين للفلاحين والعمال، كانوا البرجوازيين.