نبيل العربي يقوم بنصف ثورة!

TT

ربما تكون هذه المرة الأولى التي يتكلم فيها الدكتور نبيل العربي بهذا الوضوح، منذ أن أصبح وزيرا للخارجية في مصر مع مجيء الدكتور عصام شرف رئيسا للوزراء.. فقبل ذلك، كان الدكتور نبيل قد ألقى تصريحا مقتضبا هنا، مرة، ثم هناك مرات، ولكنه هذه المرة، وتحديدا صباح الثلاثاء الماضي، عقد مؤتمرا صحافيا في مقر الوزارة، وأجاب عن أسئلة متنوعة للصحافيين، وأطلق عناوين ضخمة، تحولت في اليوم التالي إلى مانشيتات عريضة، وربما مثيرة في الصحف.

ويكفي أن نطالع صحيفة «الأخبار» القاهرية، الصادرة صباح الأربعاء، على سبيل المثال، لنرى أنها جاءت على النحو التالي: ثورة في سياسة مصر الخارجية!

وكانت الثورة التي قصدتها الصحيفة، نقلا عن الدكتور نبيل، أنه قال في مؤتمره الصحافي، إن إيران كدولة ليست عدوا لمصر، وإن القاهرة تفتح معها صفحة جديدة، وإنها، أي إيران، دولة صديقة، وإننا إذا كنا نفعل ذلك في مصر، فنحن ننتظر ردهم في طهران، وإن مصر لا تمانع في أن تتلقي أي اتصال من حزب الله، بشرط ألا يؤدي ذلك إلى أي تدخل في شؤون لبنان!

وأرجو ألا أكون مخطئا، أو مبالغا، إذا قلت، إن كلام الدكتور نبيل العربي، في هذين الملفين على وجه الخصوص، ملف إيران، وملف حزب الله، قد جاء على شكل نصف جملة، لم تمتد إلى نهايتها الطبيعية، لتشكل جملة مكتملة!

والمعنى أن إيران دولة صديقة لنا في مصر.. وهذا صحيح.. ولكن الكلام على هذه الصورة، يمثل جملة ناقصة، ولا يمكن أن تكتمل إلا إذا قلنا، إن صداقتنا مع إيران مرهونة بأن تحافظ هي على مقتضيات هذه الصداقة، فتتوقف عن انتهاك سيادة أكثر من دولة عربية في وقت واحد.

فالدكتور نبيل يعلم قطعا أن إيران لا يكاد يمر عليها يوم، لا تتحرش فيه - إذا صح التعبير - بدولة خليجية على الأقل، خصوصا الكويت والبحرين في الفترة الأخيرة، مع دول عربية أخرى في المنطقة ليست خليجية طبعا.. وإلا.. فما معنى أن تقول إيران، إنها لن تسكت عن إرسال قوات «درع الجزيرة» إلى العاصمة البحرينية «المنامة»، وإنها سوف ترد في الوقت المناسب، في الوقت الذي تعرف فيه إيران، جيدا، أن قوات درع الجزيرة لم تذهب إلى البحرين، لتهدد سيادتها، ولا سيادة أحد، وإنما لتحافظ فقط، على حدود دولة عربية اسمها البحرين، ضد أطماع معلنة، وليست مخفية، من جانب إيران فيها.

ليست هناك، إذن، مشكلة في أن تكون إيران دولة صديقة لمصر، بل إننا ندعو إلى توطيد أواصر هذه الصداقة بكل قوة، مع مرور الوقت، بشرط ألا تكون صداقة من جانب واحد، هو جانبنا، وبشرط أن يكون هناك تجاوب عملي، لا شفهي، من جانب إيران، وبشرط ألا يكون ذلك على حساب عروبة البحرين، وغير البحرين، في الخليج خصوصا، وغير الخليج عموما.. ولو أن أحدا عاد إلى تاريخ العلاقة بين القاهرة وطهران، خلال سنوات قليلة مضت، فسوف يلاحظ أن القاهرة كانت في كل مرة تبدي رغبة صادقة في تحسين العلاقات المصرية - الإيرانية، كانت تفاجأ، في اليوم التالي، بتصريحات من طهران، تعود بالعلاقات إلى نقطة الصفر، وكانت هذه التصريحات، في كل مرة أيضا، إما أن تمس القاهرة، على نحو مباشر، وإما أن تمس دولة عربية، يرتبط أمنها، بأمننا القومي، بصورة من الصور.

إنني أخشى أن تترك تصريحات الدكتور نبيل العربي انطباعا سلبيا في دول الخليج، التي تهددها إيران، في كل صباح، ولا تكاد طهران تمرر مناسبة إلا وتعود من جديد، لتكشف عن أطماع غير مشروعة، تجاه تلك الدول، وهي أطماع حين تهدد، فإنها تهدد في الأساس، عروبة تلك الدول، قبل أن تهدد ثرواتها، أو حدودها الجغرافية، أو حتى استقرارها السياسي والاجتماعي.

عروبة الخليج، وليس أي شيء آخر، تظل في مرمى نيران طهران، إذا ما استمرت في سياستها الحالية، تجاه جيرانها، ولا بد أن الدكتور نبيل، بوصفه وزيرا لخارجية أكبر دولة عربية، يدرك تماما، أن تهديد عروبة تلك الدول، لا يمثل تحديا فقط لنا في مصر، وإنما يمثل دون مبالغة، تهديدا بالدرجة نفسها، لأمن القاهرة القومي، بمعناه العام والشامل.

إنني كنت أتصور، لو أن الدكتور نبيل العربي، قد قام بجولة خليجية، بادئا من البحرين، ثم أطلق ثورته هذه، من هناك، كما يحب ويشاء، لأن رسالته إلى إيران كانت سوف تصل حينئذ على نحو مختلف، وكانت دول الخليج سوف تتأكد وقتها، أن القاهرة معها، ولن تتخلى عنها تحت أي ظرف، وكانت إيران في الوقت نفسه، سوف تفهم، أن القاهرة تفتح معها صفحة جديدة فعلا، ولكنها صفحة مشروطة بالتوقف تماما عن دس أنفها، في ما لا يخصها في العالم العربي عموما، ثم في الخليج ومعه اليمن، بشكل خاص.

وسوف يقال الكلام نفسه، عن تصريحات «العربي» في ما يخص حزب الله، الذي لا يتردد أي عربي في مساندته، بشكل كامل، وهو يقاوم إسرائيل في جنوب لبنان، فالدور الذي يقوم به الحزب في هذا الاتجاه، لا يمكن أن يكون موضع خلاف، بين عربيين، وهو كحزب، يمثل قوة مقاومة شرعية تستحق كل مساعدة، ولا يمكن أن يوصف بممارسة الإرهاب، وهو يمارس هذا الدور، في الدفاع عن تراب لبنان.. لا يمكن.

ولكن الأمر يختلف تماما، حين يقال على لسان السيد حسن نصر الله، مؤخرا، إنه سوف يساعد شيعة البحرين.. هنا، يخطو الحزب خطوة، في اتجاه معاكس تماما، وهي خطوة لا يمكن أن تصادف قبولا، من أي عربي مخلص لوطنه، في داخل لبنان، أو في خارجه، لأن الأصوب دائما أن نتكلم حين نشير إلى البحرين، عن مواطنين متساوين تماما، تحت يد الدولة هناك، سواء كانوا سنة، أو شيعة.. فالولاء هنا، أو في أي دولة عربية أخرى، يجب أن يكون للدولة، أولا، وعاشرا، قبل أن يكون للطائفة، وحين يكون الولاء للدولة، سابقا على أي انتماء آخر، فسوف يتحقق، عندئذ، مبدأ المواطنة، كقيمة راسخة، لا يجوز أن تكون محل جدل، وسوف يكون معنى هذا المبدأ، هو أن جميع مواطني الدولة، إنما هم رعاياها المتساوون، في حقوقهم، وفي واجباتهم، دون تفرقة علي أي أساس!

ولا أحد يعرف على مستوى آخر، إذا ما كان الاتصال الذي لا يمانع الدكتور نبيل العربي، في أن يتم مع حزب الله، سوف يمتد إلى ملف الهارب «شهاب» الذي استغل أحداثا صاحبت ثورة 25 يناير، ولاذ بالفرار من محبسه، إلى بيروت، وهناك ظهر وهو يحتضن الشيخ نعيم قاسم، الرجل الثاني في حزب الله، وقد كان الاثنان في الصورة يبتسمان، في لقطة لا تخلو من أكثر من معنى!

هل يمكن للاتصال، بين الدكتور نبيل، والسيد نصر الله، حين يتم، أن يتطرق إلى إعادة «شهاب» إلى زنزانته، ليتولى القضاء المصري، وحده، تبرئته، بدلا من أن يلوذ بالفرار، عند أول فرصة سانحة؟!

تصريحات الدكتور نبيل العربي، يمكن أن توصف بأنها نصف ثورة، وسوف تكتمل الثورة في كلامه، عندما نقع على الجواب الشافي، لأكثر من تساؤل، في علاقة القاهرة، في هذا الظرف، بطهران!