خطاب بشار الأسد.. لا يسمن ولا يغني من جوع

TT

كان خطاب بشار الأسد أمام البرلمان السوري يوم الأربعاء الموافق 30 مارس (آذار) يكتنفه الغموض. وقد كان كثير الشبه بخطاب آية الله خامنئي بعد المظاهرات الضخمة التي شهدتها طهران في أعقاب الانتخابات الرئاسية في إيران، والتي ثار الجدل بشأن صحتها. وقيل إن عدد المتظاهرين كان أكثر من 3 ملايين. وتحركت المظاهرات من ميدان الإمام الحسين في شرق طهران إلى ميدان آزادي في غرب طهران. عندما كنت أنصت إلى حديث بشار الأسد بدت لي النقاط التي تضمنها مألوفة، حيث بدا وكأن خامنئي يتحدث، باستثناء أنه يمكن مقاطعة المرشد الأعلى في إيران أثناء خطابه. لكن في البرلمان السوري كان يتم قطع خطاب بشار الأسد بإلقاء بعض أبيات الشعر أو الهتاف بالشعارات المؤيدة له. فعلى سبيل المثال هتف رجل بدت هيئته كشيخ قبيلة قائلا «العالم العربي قليل عليك وأنت لازم تقود العالم يا سيدي الرئيس» بل وتمادى في مدحه والثناء عليه بقوله: «سيدي الرئيس بشار الأسد قائد من المحيط إلى الخليج». بدا هذا الجو مألوفا بالنسبة إلي. وفي إيران كان يستعين مؤيدو المرشد الأعلى والرئيس الإيراني بالأدب لمدحهما. فعلى سبيل المثال كان الشعار الرسمي المنتشر في إيران قبل ثورة 1979 «الله، الملك، الوطن»، وهو يشبه الشعار السائد في سورية اليوم وهو «الله، سورية، بشار الأسد وبس». وكان الشعار المنتشر في الشوارع والميادين الرئيسية في دمشق والمدن الأخرى في عهد حافظ الأسد «قائدنا إلى الأبد. أمين حافظ الأسد». لم يكن لما يقولونه أي معنى ولم تكن بنية الخطاب مختلفة. وفيما يلي بعض أوجه الشبه:

1 - الفتنة، فهي أهم مصطلح مستخدم في الخطاب. وقد تكرر استخدام بشار لهذا المصطلح في خطابه. لقد كان تفسيره للفتنة تفسيرا خاصا. واستنادا إلى هذا التفسير هناك ثلاث نقاط هي: الفتنة، والإصلاح، وحقوق ومطالب الأمة، لكن هذه المفاهيم الثلاثة متداخلة ومتشابكة. لكن من الأمور المهمة التي لم يذكرها بشار في خطابه هو من يستطيع التمييز بين هذه الأمور وتصنيفها وتعريفها وما المعايير التي يستند إليها في تقييمه لها؟ فمثلا تريد الأمة حرية التعبير وإنهاء حالة الطوارئ في سورية. إن الشعب يريد حق تأسيس الأحزاب السياسية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. فما تصنيف تلك الحقوق والمطالب؟ هل يجوز تصنيفها بأنها فتنة أم إصلاح أم مطالب؟ السؤال المهم هو: هل قوات الأمن مسؤولة عن تصنيف تلك الأمور؟ فقد ذكر صراحة أن معنى الإصلاح غير واضح، حيث قال: «التحدي الآن هو نوع الإصلاح الذي نريد الوصول إليه»، وهو ما يعني أن السوريين أمامهم طريق طويل لفهم الإصلاح أو معناه الحقيقي.

2 - مع الأسف هدد بشار مثل خامنئي نشطاء سوريين قائلا «كل من يستطيع وأد الفتنة ولا يعمل فهو جزأ منها»، من الذي يحدد تعريف الفتنة؟ يوضح هذا أن هناك تفسيرا رسميا وحيدا للإصلاح والفتنة وعلى الجميع أن يقبل هذا التعريف. لهذه الطريقة في التفكير جذور قديمة راسخة. «من ليس معي فهو ضدي» (لوقا 11:23).

3 - يمكن للمرء أن يقرأ بسهولة نظرية المؤامرة بين سطور خطاب الأسد. سورية هي أول دولة تواجه إسرائيل، لذا واجهت الكثير من الأزمات على مدار سنوات.

4 - كان بشار الأسد يرسم البسمة على وجهه ويظهر قبضته الحديدية في الوقت ذاته أثناء الخطاب. إذا واجهنا حربا فنحن لها. يمكننا أن نحكم السيطرة على الأمور ونتجاوز أي أزمة. وحذف الناس اسم بشار الأسد من الشعار وحل محله الحرية فأصبح «الله، سورية، الحرية وبس». ويشير هذا إلى اعتقاد الناس بأن الأسد ضد الحرية. إنه أمر يتعلق بالثقة بين النظام والشعب السوري. اعتبار ما يحدث فتنة أو مؤامرة خارجية لن يحل المشكلة، فليس هذا العلاج السليم لها. إن إخفاء المشكلة هو طريقة معالجة قوات الأمن لمثل هذه الأمور. تخيل أن شخصا مريضا للغاية يقول إنه مصاب بالسرطان، بينما يقول الجميع له إنك بصحة جيدة فقط يمكنك تناول الأسبرين وستكون بخير. يعد هذا خداعا للرجل المريض. من الواضح أنه سيكون من الصعب أن تجد صورا لحافظ الأسد أو بشار الأسد في المستقبل، لكن ستظل الذكريات. الاستبداد أم الحرية؛ أكون أو لا أكون، تلك هي المسألة.