الانتخابات البلدية السعودية

TT

أعلن في السعودية مؤخرا عن قرب انطلاق جولة جديدة من الانتخابات البلدية، وذلك في تجربتها الثانية. وتجيء هذه التجربة وسط آمال عريضة لدى الناس بأن تكون لدى هذه المجالس المنتخبة صلاحيات أوسع وقدرات أعمق للتفاعل مع التحديات التي يواجهونها (وهي كثيرة ومختلفة ومهمة)، وذلك بعد ما كشفت عنه مجموعة غير بسيطة من المواقف والأحداث التي أصابت مناطق ومدنا مختلفة، سواء أكان جراء كوارث مناخية أم اضمحلال في البنى التحتية أم رداءة الخدمات العامة المقدمة، وكان من الطبيعي أن يكون هناك قراءة نافذة جديدة موجهة إلى أداء هذه المجالس وربط الطموحات الموجودة لدى العامة بالصلاحيات الممنوحة لها، بحيث يكون المتوقع ممكنا. المجالس البلدية بمفهومها الطبيعي والحقيقي هي وسيلة مهمة للحكم الرشيد وتفعيل آلية المتابعة والمراقبة وتكوين كيان مهم للتواصل بين القطاع الحكومي التنفيذي والمواطن، وذلك لأجل المراقبة والمتابعة وبالتالي بناء ثقة حقيقية مبنية على معطيات النتائج وليس على النيات الطيبة فقط، وبالتالي فإذا فهمت هذه المسألة وأحسن الظن بها كان استيعاب نقطة مراجعة صلاحيات المجالس البلدية المنتخبة مسألة بديهية جدا، ولا داعي من التحسس ولا التخوف منها أبدا.

وبما أن الخطاب الإصلاحي السياسي السعودي ينادي، باستمرار، بأهمية الدور المنوط للمرأة في بناء مجتمعها وأن حقها أساسي في ذلك الأمر، إضافة إلى أن الشرع كفل تلك المشاركة بشكل واضح جدا وصريح للغاية، كما قال الحق في كتابه الكريم واصفا بيعة النساء للرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - حين قال: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُور رحيم». وبما أن هناك تجارب ناجحة جدا لمشاركة المرأة انتخابيا في مناسبات مختلفة، مثل انتخابات غرفتي جدة والمنطقة الشرقية، وكذلك انتخابات اللجنة الوطنية للمهندسين، وهي جميعا انتخابات حرة ونزيهة شاركت فيها المرأة تصويتا وترشيحا بجدارة وكفاءة مشهودة، ومشاركة المرأة ليست إجبارية ولكنها تمارس حقها باختيارها و«جاهزية» الجهة التنفيذية المعنية - فمن الممكن أن تعينها المدارس والجامعات والغرف التجارية لتجهيز المباني لفترة الانتخابات والترشيح لتحقيق وإنجاز غرض المشاركة المنشود. لدي يقين حتمي بأن النضج السياسي والاجتماعي الحاصل لدى شريحة غير بسيطة من المجتمع السعودي سيستوعب حق مشاركة المرأة في مسيرة وطنها التنموية، وخصوصا وهو يرى نماذج مختلفة لنساء بلاده وهن يتبوأن مناصب فاعلة ومهمة في شتى المجالات المختلفة.. من تعليم وطب وأعمال في الداخل وفي الخارج، وبشكل ناجح ومشرف. المجالس البلدية حتى الآن تجربة مهمة ولكنها تبقى دون الطموح المطلوب، وكما سعت السعودية في يوم ما إلى تطوير صلاحيات مجلس الشورى وضم بعض السيدات إليه بصفة استشارية، فاليوم هناك قناعة عريضة مهمة بأن هذه المجالس مطلوب منحها صلاحيات جادة وحقيقية قابلة للنقد وللتقييم وللقياس حتى يمكن الحكم على التجربة بجدارة ومصداقية وبأمانة بعيدا عن الهلامية والضبابية التي عليها الوضع الآن، بحيث يتولد إحساس باللوم على الآخر بسهولة مولدا مناخا من الإحباط، وهذا طبعا يتعارض مع المنشود.

فرصة الانتخابات البلدية القادمة لتطوير الصلاحيات ولمشاركة المرأة فيها مطلوب استغلالها، لأن الصالح العام يقتضي ذلك، وهذا وحده سبب عظيم.

[email protected]