آلو؟

TT

كان أول انطباع لي عندما دخلت مكتبة لبيع الكتب المستعملة في العالم، بلدة هاي أون واي، ويلز، قبل ربع قرن، أن الكتب المعروضة على رف مصر تفوق عددا كل الكتب المعروضة في سائر رفوف العالم العربي.

طبعا تأثرت، لكنني لم أفاجأ؛ فهذا بلد غارق في استمرارية التاريخ وتقلباته وسياساته؛ فاتحا ومنهزما، حتى في سيناء، رابضا على مفارق القارات والحضارات، عند المتوسط وأفريقيا والعروبة، أو ناهضا في اتجاهها.

ليس غريبا أن تكون مصر قد حملتنا معها على ظهر «حامولتها» منذ اللحظة الأولى: قادة وحكاما وسياسيين وصحافيين وكل من امتلك جهاز راديو أو تلفزيون أو بقية عجائب الاتصال العلمية. يستطيع المرء التخمين بأن مصر حدث القرن حتى اللحظة. وأكثر ما زاد في الإثارة وشد الناس إلى نشرات الأخبار، أن الأحداث بدت مثل «فيلم مصري طويل»، بدل «فيلم أميركي طويل»، كما اتفق على تسمية المسلسلات السياسية الطويلة والغامضة.

ففي ساعات الأيام الأول، كان العالم ينتظر ليرى الرئيس حسني مبارك في المطار من دون حقائب. لكن مبارك غاب عن السمع وعاد ليطلب من الشعب المصري البقاء، إلى جانبه. بعيدا قليلا عن منظمة التحرير. وعندما تعالت أصوات المطالبة بالرحيل وأطل اللواء عمر سليمان، قالت الناس، ها هو عمر يستعد لإعلان سفر الرئيس في رحلة طويلة. لكن عمر سليمان ظهر ليقول إن الرئيس قرر ما يأتي، بناء على نصوص الدستور.

وقيل في دوائر السياسة، هذا جزء من تدبير عملية الانتقال، وغدا يطل الرئيس ليلقي خطابا محركا بدقة ليودع فيه شعب مصر. لكن الرئيس عقد بدل ذلك اجتماعا مصغرا لحكومته الجديدة وأصدر قرارا بزيادة رواتب الموظفين. وفي واشنطن التي تحركت منذ اللحظة الأولى لترفع غطاء التأييد، بدأ الغطاء يتخذ متعرجات غريبة ومضحكة أحيانا، وأرسل البيت الأبيض وهيلاري كلينتون وجوزيف بايدن وزعماء المعارضة، نحو 20 تحذيرا كلها تبدأ بكلمة «الآن» أو «على الفور».

ربما، بعد ثلاثة أسابيع خطر للكثيرين ممن سمرتهم مصر إلى أخبارها، أن يذهبوا ويناموا، تاركين أرقام هواتفهم مع الساهرين: «عندما تسمعون شيئا نهائيا، الرجاء الاتصال بنا، في وقت من الأوقات». وروى صديق لنا أنه جاءته مكالمة غير متوقعة إطلاقا.. كان المتصل الرئيس مبارك.