تأجيل الأزمة

TT

كانت البطالة السبب الرئيسي للانتفاضات الأخيرة (مليون عاطل في ليبيا). سعت الأنظمة لترضية الشباب بوعدهم بوظائف. زين العابدين وعدهم بـ50000 وظيفة ولم يثقوا في وعده. وعد المغرب حملة الدكتوراه والماجستير بـ18000 وظيفة. ووعدت عمان بـ50000 وظيفة. لم تعلن مصر بعد عن وعدها. يعتقد البعض أن هذه وسيلة لكسب الوقت وتأجيل الأزمة. ولكنها تعني بطالة مقنعة على النمط السوفياتي. فلو كانت هناك حاجة إلى تشغيل هذه المجموعة لاشتغلوا ولم ينضموا إلى البطالة. هذا دواء مخدر للمدى القريب ولكنه موجع على المدى البعيد. فسيؤدي إلى تعميق رذيلة الكسل ومضاعفة الروتين بما يسفر عن فرص للرشوة وتأخر الأعمال وقرف الجمهور. ومن أين ستستطيع الدولة أن تدفع رواتب كل هؤلاء المتسكعين في الدوائر وتزويد مبان ومكاتب ومعدات لهم؟ الدول التي عانت من الفساد والسرقات كتونس ومصر ستستطيع تحويل المبالغ التي كانت تسرق لدفع بعض هذه الرواتب. بعضها فقط وليس كلها. لم نسمع عن سرقات مليونية في عمان أو البحرين، فوعدت الإمارات بالمساعدة. آمل أن تنضم إليها بقية دول الخليج. في غير ذلك ستضطر الحكومات إلى تقليص ميزانيات التعليم والصحة والضمان الاجتماعي والبنية التحتية لتمويل هذه البطالة المقنعة. ولو أنني آمل أن يجري التقليص في الميزانية العسكرية وليس الخدماتية.

ولكن ما العمل على المدى البعيد؟ كيف نتخلص من آفة البطالة التي أصبحت تهدد معظم الأنظمة القائمة؟ أولا هناك الكثافة السكانية.. أصبحت أمهاتنا، ولا سيما في مصر، ينتجن من أرحامهن أكثر مما تنتجه معاملنا ومزارعنا. لا بد من الالتفات إلى هذه المعضلة ودراسة السبل لمعالجتها. يساورني شعور بأن كل هذه الحروب والتقاتل الجاري في عالمنا العربي من وسائل الطبيعة للحد من الكثرة البشرية بقتل الفائض. الطبيعة تحب التوازن.

لا بد من إعادة النظر في مناهج الدراسة. نؤجل الآن مشكلة خريجي المدارس بفتح كليات لهم. ثم نؤجل مشكلة تخرجهم من الكليات بصرفهم للدكتوراه والماجستير. ثم تنتهي اللعبة وتنفجر. لا بد من حصر الدراسات الجامعية بنسبة الشواغر. هل يحتاج المغرب حقا الذي يعيش على السياحة إلى كل هذه الشهادات العالية، وأكثرها في المواضيع الأدبية؟ لا بد من قتل هذه الروح التي تحتقر الحرف والصناعة والأعمال اليدوية وتجعل كل مواطن يصبو إلى أن يكون «أفندي». ينبغي توجيه خريجي المدارس إلى الزرع والضرع والصنع والخدمة، مع فتح الفرص لذلك باستصلاح الأرض وتشجيع الصناعة والتجارة في إطار الخصخصة والمنافسة الحرة والليبرالية والديمقراطية، وإحياء الريف بنقل المؤسسات من المدن إلى الأرياف، وتشجيع الاستثمار الأجنبي. وهذا كله يتطلب الأمن والاستقرار واحترام القانون واستقلال القضاء.

وهنا تنقل الحكومة جزءا من أعبائها إلى كاهل المواطن. الثورات والاضطرابات والانتفاضات تنسف الاستقرار والأمن، وتضطر الحكومات إلى إضاعة الأموال على وسائل الأمن بدلا من الاستثمار وتحسين أحوال الشعب. المسؤولية واحدة ومزدوجة بين السلطة والمواطن.. المسؤولون لا يسرقون ويبذخون ويهربون ثروة البلد، والمواطن لا يعرقل سعيها للتنمية بزعزعة الاستقرار والأمن.