هل يمكن أن تستغنى أميركا عن نفط الشرق الأوسط؟

TT

تخيل نسخة من فيلم «غراوندهوغ داي» للسياسة الخارجية بينما يقوم بيل موراي بدور الرئيس الأميركي. يرن المنبه، فإذا بالاضطراب السياسي يهز أرجاء الشرق الأوسط وترتفع أسعار النفط الخام والبنزين مما يمثل خطرا على الانتعاش الاقتصادي.

استيقظ الرئيس نيكسون على رنين المنبه ذاته خلال حظر تصدير النفط الذي حدث عامي 1973 و1974 وأعلن مشروع استقلال لإنهاء الاعتماد على استيراد النفط. وأثناء الثورة الإيرانية أطلق الرئيس كارتر على محاولة الحد من الاعتماد على النفط الخارجي «المعادل المعنوي للحرب»، بينما اعتبر جورج بوش الابن النفط إدمانا. يوم الأربعاء قال الرئيس أوباما في خطاب متلفز للشعب الأميركي: «لا يمكننا أن نصدم عند ارتفاع أسعار الغاز ونتراجع عند انخفاضها. لا يمكننا الاندفاع نحو اتخاذ موقف عندما ترتفع الأسعار، ثم نتوقف عندما تعاود الانخفاض مرة أخرى».

وفي ظل التهديد الذي تمثله الثورات في ليبيا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط على حقول النفط والاضطراب في الطاقة الذي خلفته الكارثة النووية في اليابان، يرن جرس المنبه أو الإنذار مرة أخرى. لقد اكتسب الاستقلال أهمية أكبر عن ذي قبل. ربما يكون الطريق نحو الاستقلال في هذا الشأن أو على الأقل وضع نهاية للاعتماد على الشرق الأوسط قذرا ومكلفا وخطيرا سياسيا. ويتطلب هذا الطريق تحويل السيارات إلى سيارات تسير بالطاقة الكهربائية والوقود الحيوي. لكن يقول الخبراء إنه هدف ممكن على الأقل من الناحية النظرية خاصة مع قدرة كندا والشركاء الودودين الآخرين على تعويض جزء كبير من النفط الوارد من الشرق الأوسط. وقال ستيفن تشو، وزير الطاقة في مقابلة: «للمرة الأولى منذ صدمة النفط الأولى أرى تراجع اعتمادنا على استيراد النفط». وأشار إلى أن الدولة تستورد الآن نصف احتياجاتها من النفط، مضيفا: «هل يمكن أن نحد من استهلاكنا بمقدار النصف خلال عشرين عاما؟ نعم هذا ممكن». لكن لن يتحقق هذا التغيير بسهولة.

وقال جون ديوتش، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية: «خفض استيراد أميركا من الوقود السائل بحلول منتصف القرن إلى أقل من 20 في المائة، لكن هذا يعتمد على ما يعتزم النظام السياسي القيام به وما سوف يقبله الناس سواء كان ذلك ارتفاعا في الأسعار والتكنولوجيا. أول ما تقوم به هو زيادة أسعار البنزين شيئا فشيئا مما سيقلل استهلاك الوقود».

يقول بعض المحللين إنه من الممكن إحداث تغيير أسرع، لكن قد يعني هذا دعما حكوميا ضخما وزيادة الضرائب لبناء المزيد من خطوط السكة الحديد السريعة لتشجيع الشاحنات والحافلات على التحويل إلى الغاز الطبيعي والحث على تطوير الأشكال الأخرى من الطاقة مثل الرياح والطاقة الشمسية وحرارة الأرض.

وينبغي تحسين سعة التخزين لبطاريات السيارات وتوفير كميات كبيرة من الوقود الحيوي رخيص الثمن من بقايا النباتات أو الطحالب الخضراء. على المدى القصير ستكون هناك حاجة إلى زيادة عمليات التنقيب عن النفط في البلاد بما في ذلك على الشواطئ وربما في ألاسكا، أيا كان حجم الضرر البيئي الذي قد ينجم عن ذلك. من المرجح ارتفاع أسعار البنزين بسبب العرض والطلب أو الضرائب أو كليهما.

بمعنى أن خفض واردات النفط لتصل إلى المستوى الذي كان عليه عام 1982، حيث وصلت إلى 28 في المائة من إجمالي الاستهلاك، ربما يثير حنق المحافظين والليبراليين والمدافعين عن البيئة والمتخوفين من التغير المناخي. لكن تم بالفعل القيام ببعض التغيرات.

تتوقع آمي مايرز جيف، المدير المساعد لبرنامج الطاقة بجامعة رايس وباحثون آخرون في الجامعة، انخفاض استهلاك النفط بحيث يصل إلى 4.3 مليون برميل يوميا بحلول عام 2025 نتيجة تحسين فاعلية استخدام الوقود الذي تبناه الكونغرس. ويمثل الوقود أكثر من ثلث واردات الولايات المتحدة من النفط.

يمكن توفير الزيادة المتمثلة في 2.5 مليون برميل يوميا بحلول عام 2050 من خلال تبني سياسات خاصة بزيادة نسبة السيارات التي تعمل بالطاقة الكهربائية إلى 20 في المائة من السيارات الموجودة في الولايات المتحدة على حد قول الباحثين في جامعة رايس. ويمكن لزيادة التنقيب عن النفط أن تحد من الاعتماد على الاستيراد بشكل أسرع. وقالت آمي: «يمكننا الوصول إلى نقطة توازن ويمكن أن تتغير توجهاتنا في النفط».

تخصم وارداتنا من النفط حاليا أكثر من مليار دولار يوميا من الميزان التجاري للولايات المتحدة. ويقول المسؤولون التنفيذيون في مجال النفط إن كل مليون برميل إضافي من النفط المنتج محليا يوفر مليون فرصة عمل ويضخ 30 مليار دولار في النشاط الاقتصادي. سوف يقلل الإنتاج المحلي من تدفق الدولارات التي تربحها الدول المصدرة للنفط والتي تساعد الأنظمة المعادية للولايات المتحدة ماليا مثل فنزويلا.

ونظرا لتوافر الفحم والغاز الطبيعي والطاقة النووية في الولايات المتحدة بالإضافة إلى الكمية الفائضة من مصادر الطاقة المتجددة، تعد الدولة مستقلة بالفعل من حيث الطاقة الكهربائية التي تستخدم في تدفئة وتبريد المنازل والمباني وتشغيل المصانع.

مع وجود فائض في الغاز الطبيعي خلال الخمسة أعوام السابقة، هناك احتمال أن يكفي لتزويد السيارات بالوقود سواء مباشرا أو من خلال تحويل وسائل المواصلات إلى مواصلات تعمل بالطاقة الكهربائية. ويمكن أن تسهم الحكومة الفيدرالية في تطوير الطاقة الكهربائية من خلال مد خطوط النقل بحيث تربط بين مصادر طاقة الرياح والطاقة الشمسية وبين مراكز تجمع الناس. في أعقاب الكارثة التي حلت باليابان، ستكون هناك حاجة إلى زيادة درجة أمان الطاقة النووية. ويمكن لزيادة فاعلية استهلاك الطاقة في المباني في المستقبل أن تؤدي إلى خفض مقدار الطاقة المستهلكة. من السهل تحديد المشكلة التي تواجهها الدولة وهي استهلاك 19 مليون برميل نفط يوميا تستهلكها السيارات والشاحنات والطائرات. رغم أن الولايات المتحدة تظل أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم، لكنها تستورد منذ الأربعينات، وتراجع الإنتاج المحلي بشكل كبير سنة بعد الأخرى خلال ربع القرن الماضي وحتى وقت قريب. لكن لم يتم الانتباه للتغيير الذي حدث خلال العامين الماضيين. وانخفضت الواردات من النفط وازداد المستخرج المحلي ولم تعد الولايات المتحدة تستورد 60 في المائة من استهلاكها من النفط كما كانت تفعل في آخر مرة ارتفعت فيها أسعار النفط منذ أربعة أعوام.

* خدمة «نيويورك تايمز»