هل ينبغي أن تزيد الحكومة السعودية من إنفاقها أم لا؟

TT

أصبح الإنفاق واتخاذ إجراءات إضافية لتحسين مستوى معيشة المواطنين ضرورة ملحة بالنسبة للدول المصدرة للنفط، وليس ضربا من الترف. فالاضطرابات الاجتماعية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط تضع هذه الدول، بما فيها المملكة العربية السعودية، أمام خيار وحيد هو الإنفاق السخي وإشاعة الثقة. لذا، نحن نرى أن أوامر الملك عبد الله والإصلاحات الهيكلية التي أطلقها جاءت في الوقت المناسب. كما نتوقع أن تحافظ المملكة على استقرارها السياسي، على الرغم من الغموض الذي يلف مستقبل العديد من دول المنطقة.

ففي أقل من شهر (من 23 فبراير «شباط» إلى 18 مارس «آذار»)، أعلن العاهل السعودي، الملك عبد الله، عن مكرمتين في إطار 41 أمرا ملكيا نصت على العديد من برامج الدعم المالي والاقتصادي والاجتماعي لمواطني المملكة. واشتملت هذه الإجراءات على صرف مكافآت مالية لموظفي القطاع العام، وبناء نصف مليون وحدة سكنية، واستحداث وزارة تسمى وزارة الإسكان، وهيئة وطنية لمكافحة الفساد ترتبط مباشرة مع خادم الحرمين، وضخ المزيد من الأموال في قطاع الرعاية الصحية وصندوق التنمية العقارية الذي تديره الدولة، بالإضافة إلى استحداث معونة البطالة ورفع الحد الأدنى لأجور السعوديين (العاملين في القطاعين العام والخاص)، وتوظيف المزيد من المواطنين في أجهزة الأمن الوطنية... إلخ. وتهدف هذه الإجراءات إلى إشاعة الثقة، والبدء بمعالجة التحديات الهيكلية القائمة، وإصلاح سوق العمل المحلية، وتوفير المزيد من فرص العمل الجديدة، وتعزيز قدرة المواطنين ذوي الدخل المحدود والمتوسط على شراء مساكن، بالإضافة إلى دعم المواطنين الأكثر حاجة للمساعدة.

وتقدر التكلفة الكلية لتنفيذ هذه البرامج والإجراءات بنحو 129 مليار دولار؛ أي ما يعادل 84% من إجمالي الميزانية العامة المعلنة لعام 2011. بالتالي، يمثل هذا المبلغ إنفاقا عاما ضخما يضاف إلى أكبر ميزانية عامة في تاريخ المملكة، علما أن الإنفاق العام الحقيقي تجاوز الميزانيات العامة المعلنة بمعدل 22% سنويا خلال السنوات الخمس الماضية. وعلى الرغم من ازدياد الأعباء المالية للمملكة، نعتقد أنها ستظل قابلة للإدارة. فطبقا لتقديراتنا، ستنفق الحكومة السعودية خلال العام الحالي 31% من التكاليف الكلية للإجراءات والبرامج التي أعلنها الملك عبد الله مؤخرا، ثم ستنفق 11% من هذه التكاليف خلال العام القادم. وإلى جانب تكاليف الإجراءات الجديدة، نتوقع أن يتجاوز الإنفاق العام الحقيقي إجمالي الميزانية العامة المعلنة للعام الحالي بواقع 80 مليار دولار أميركي. لذا، ستلجأ المملكة، على الأرجح، إلى أصولها الخارجية (444 مليار دولار أميركي) للنهوض بهذه الأعباء. وقد تواجه المملكة صعوبات مالية في المدى المتوسط إن قررت إضافة أي إنفاق كبير. وسوف تزيد الإجراءات الأخيرة حجم الاستهلاك المحلي، الأمر الذي سيؤدي إلى رفع معدل التضخم العام في البلاد. كما أن الضغوط التضخمية للواردات تميل إلى الازدياد. وطبقا لتوقعاتنا، سيرتفع معدل التضخم في المملكة من 5.3% في العام الماضي إلى 5.6% في العام الحالي. في الوقت ذاته، نتوقع أن تحافظ المملكة على استقرارها السياسي في المستقبل المنظور.

* مدير عام وكبير الخبراء الاقتصاديين في البنك السعودي - الفرنسي