تقنية للجهل والتخلف

TT

وسط رياح ونسائم وأعاصير الثورات العربية المنطلقة بانهدار هائل على المسرح الأهم لها على الساحة الافتراضية للإعلام الاجتماعي الجديد في دنيا مواقع «فيس بوك» و«يوتيوب» و«تويتر» التي جعلت المتابعين لهذه الأدوات يصفون ما جرى بتأثيرها في كل من تونس ومصر بأنها كونت مرجعية الثورات للمبتدئين أو كدليل Revelution for Dummies المعروف بإصداراته المتنوعة!

فالمسألة تبدأ بصفحة على موقع «فيس بوك» للتواصل الاجتماعي المعروف، ومن ثم تتم متابعة عدد المنضمين والتعليقات المصاحبة لذلك، ثم يتم التفاعل مع الحدث عن طريق الصور أو مشاهد الفيديو التي تبث على موقع «يوتيوب» المعروف، وبعدها مقتطفات وتعليقات إخبارية على موقع «تويتر»، وبذلك يتم تكوين «مشهد» متكامل ومؤثر وشديد الفعالية، ليس على المستوى المحلي ولا الإقليمي فحسب ولكن على المستوى العالمي.

وطبعا توظيف هذه المسائل في هذه الحالات تكون الغاية منه كشف المسائل المهمة التي يقع فيها ظلم وفساد وعنصرية وغيرها من المسائل التي تخترق المجتمعات وتكوِّن فيها أوراما سرطانية مدمرة للجسم السوي.

ولكن مع شديد الأسف، في العالم العربي تحولت هذه الوسائل إلى تكريس وتعميق الطائفية والمذهبية والمناطقية والقبلية والعنصرية والتفرقة بشكل عام؛ فالكم المهول من الصفحات الإقصائية المتطرفة، التي تتحدث عن أفضلية طائفة أو جدارة مذهب أو أهمية قبيلة أو فوقية منطقة أو سمو عرق، بات ظاهرة مخيفة ستولد كما غير قليل من الأمراض والعلل الثقافية والاجتماعية التي ستتسبب في مضاعفات سياسية واقتصادية لا يمكن إغفالها.

الغريب أن العرب وفي جيوب كثيرة من أوطانهم تمكنوا من توظيف التقنية الحديثة لأجل تكريس «عقائدهم» الضيقة والمغلقة وتزكية التخلف الاجتماعي بامتياز بدلا من استعمال هذه الأدوات العظيمة لأجل بناء الأوطان وتنمية المجتمعات وتطوير الكيانات، لكنها دليل آخر على العلل الموجودة في المجتمعات الرخوة والهشة التي تفتقد الخطوط العريضة الجامعة لها فتلجأ للجذر الضعيف الذي يجمع البعض فيها.

انتشار وسائل التواصل على شاشات الإعلام الاجتماعي الجديد ملحوظ ولا يمكن إغفاله، مصر والسعودية هما الدولتان الأكبر والأكثر استخداما لهذه المواقع في الشرق الأوسط، مع نسب نمو هائل لدول عدَّة أخرى بشكل مذهل، وباتت شبكة الإنترنت هي الموقع الأكثر تأثيرا لتداول الأخبار ونشر المعلومات والاطلاع والتواصل والتعارف والاتجار، خصوصا في الفئة العمرية التي هي دون الثلاثين عاما تحديدا، وهي مؤثرة بشكل شديد على البدائل التقليدية المعتمدة.

الحرية بمعناها ومفهومها الحضاري والحقيقي تختفي وتختبئ خلف جدران الجهل وأسوار التطرف وسدود العنصرية، مولدة شروخا داخل البنيان الواحد، وهي مسألة يستغلها، بسهولة شديدة، كل من له غرض أو نية للإفساد والإتلاف، ولكن تبقى ضرورة الإقرار والاعتراف بأساس المشكلة وهو وجود جذور واضحة للتطرف والعنصرية والجهل، والتقنية الحديثة ما هي إلا وسيلة مريحة مناسبة وجيدة وفعالة لنشر هذا المنطق الأعوج الهدام. التقنية الحديثة ووسائلها المبهرة بدلا من أن تكون عناصر بناء وسمو ورقي تتحول بسهولة إلى جند فتنة وهدم.

[email protected]