سقف المطالب في سورية.. إلى أين؟

TT

تتواصل حمى الثورات بالتنقل من عاصمة إلى أخرى من عواصم العرب وسط ذهول الحكام وهم يشاهدون المواطنين يحرقون صور البطل القومي والقائد الأوحد في كل الساحات ويحرقون مقرات الحزب الحاكم لتسجل موقفا شجاعا وجريئا غاب عن المنظومة الفكرية للمواطن العربي التي تشبعت بمفاهيم الخضوع والخنوع للحاكم وأجهزته الأمنية التي لم تعد تسيطر اليوم على الطوفان الذي سيجتاح الجميع.

الأمر الذي يحير الجميع والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم لماذا لم يأخذ الحكام العبرة مما حصل مع أقرانهم؟ سيما أن التجربة أصبحت تنتقل بنفس التفاصيل من دولة إلى أخرى. فتبدأ بمظاهرات سلمية تطالب بإصلاحات اقتصادية وسياسية واجتماعية يمكن تلبيتها فيقمعها النظام ويقتل المتظاهرين، الأمر الذي يصعد الموقف ويرفع سقف المطالب التي تبقى تتصاعد مع استمرار القتل والاعتقالات حتى تصل في النهاية إلى المطالبة بإسقاط النظام.

وهذا ما شاهده العالم أجمع في ساحات الاحتجاجات العربية انطلاقا من سيدي بوزيد مرورا بميدان التحرير وساحات العرب في ليبيا واليمن وانتقلت اليوم إلى سورية التي خرج شبابها المتطلع للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية وعبر عن مطالبه المشروعة لوضع حد لاستشراء الفساد وإهدار المال العام واحتكار الثروة من قبل المتنفذين على حساب الفقراء ووضع حد للحصانة التي يستفيد منها رجال السلطة والأجهزة الأمنية من خلال قانون الطوارئ المؤبد الذي لطالما كان سلاحا بيد الحكومات لقمع أبنائها وهذا ما يغري ضعاف النفوس لارتكاب المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان والإفلات من العقاب.

وكالعادة وكأننا نشاهد مسلسلا عربيا يعاد لأكثر من مرة يظهر الرئيس ويتهم المتظاهرين بتنفيذ أجندات خارجية وفق نظرية المؤامرة لينطلق الإعلام الداخلي للدفاع عن موقف النظام في محاولة واضحة لتضليل الرأي العام من خلال بث الأكاذيب وتغيير الحقائق التي تحدث على الأرض.

وهذا ما تجلى في الحالة السورية، علما بأن هؤلاء المتظاهرين في سورية وفي مدن العرب إنما يمارسون حقهم المكفول لهم دستوريا في التعبير عن آرائهم حيث قاموا فعلا بالتعبير عن رأيهم عبر مظاهرات سلمية تم مواجهتها بالقمع والتنكيل والغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والحي أحيانا.

إضافة إلى ممارسات أخرى تمثلت في ضرب الشباب من قبل رجال الأمن الذين يتنكرون بزي متظاهرين يؤيدون السلطة مستخدمين الأسلحة البيضاء والخناجر والعصي في صورة تعكس مدى تخلف الأنظمة الديكتاتورية التي تحكمنا منذ عقود حيث كان الهدف من هذه الخطوة محاولة إخافة المتظاهرين وتفريقهم إلا أن هذه المعالجات القمعية لم تجد نفعا مع جموع المتظاهرين بل يعتقد البعض أن هذه الممارسات قد تجر إلى المزيد من دوامات العنف وتؤدي إلى الفوضى العارمة التي تتحملها الأنظمة وأجهزتها الأمنية.

وهكذا تستمر انتهاكات حقوق الإنسان في تعامل السلطات مع المتظاهرين العرب لتصل إلى مرحلة تعطيل الاتصالات وحجب المواقع الإلكترونية للحيلولة دون التواصل بين الشباب، إضافة إلى محاولة قطع الاتصال بالعالم الخارجي الذي سعى الشباب لاستخدامه كورقة ضغط على الأنظمة وممارساتها القمعية من أجل أن يضمنوا الحماية من قبل المنظمات الدولية ويكسبوا تعاطف وتضامن المجتمع الدولي بعد أن يئس الشباب من مواقف إخوتهم العرب في ظل غياب أي موقف إيجابي يساند هذه الثورات فأخذ الشباب يراهنون على الضغوطات الخارجية التي تصدر من الدول الأوروبية وأميركا والأمم المتحدة والتي جاءت تطالب الحكومات العربية بضرورة الحفاظ على سلامة أرواح المتظاهرين وحقن دمائهم وضرورة التداول السلمي للسلطة والركون إلى الحلول السلمية في تنفيذ مطالب المتظاهرين.

خلاصة القول: إن الأنظمة العربية لم تأخذ العبرة مما حدث للأنظمة التي سقطت قبلها، لأنها ببساطة لا تؤمن بالتغيير ولا تريد تقديم أي تنازلات من شأنها أن تبعد القائد الرمز عن منصبه، لأنه يعي تماما أن الشعب سيحاسبه على الجرائم التي ارتكبها طيلة فترة حكمه السابق.

* كاتب عراقي