سورية تريد.. إسقاط الإعلام

TT

بدءا من تونس وامتدادا إلى كل عواصم الغضب والاحتجاج العربي، كرس الدفاع الرسمي في وجه هبة الشارع نظرية الإعلام «المدسوس» والفضائيات «المغرضة»، كحجة أساسية لإضعاف التغيير والتهوين من قوته.

تساوت في هذه الاتهامات كل الأنظمة العربية المعنية بهذا الحراك.

الأسبوع الماضي، كرر الرئيس السوري بشار الأسد، في خطابه أمام مجلس الشعب، انتقاده واتهامه للفضائيات بالوقوف وراء حركات الاحتجاج في سورية 7 مرات، في أقل من ساعة.

إنه لمحير فعلا ذاك الإصرار على تكرار الحجة ذاتها في إدانة التحركات الشعبية، فيُلقى باللائمة على المؤامرات الخارجية والإعلام المغرض والجماعات المدسوسة.

كيف للإعلام المغرض أن يفسر بث الإعلام السوري اعترافات مزعومة لشاب مصري بتهمة التقاط صور لصالح إسرائيل بأثمان بخسة فتنهمر الإدانات بحقه بصفته تجسيدا حيا للمؤامرات المحاكة ثم لا نلبث أن نسمع أنه تم إطلاق سراحه من دون أن نفهم لماذا اعتقل وكيف ثبتت براءته؟!

سبق أن اعتقلت المدونة السورية طل الملوحي بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، وهي في السجن اليوم، بعد أن اتُّهمت رسميا بأنه تم تجنيدها وهي في الخامسة عشرة.

هل هو إعلام مغرض ذاك الذي يلحظ الخناق المحكم على السوريين بحيث يطاول أطفالهم أيضا؟ لم تكن طل الملوحي المتهمة بالتعامل منذ طفولتها وحدها؛ فقد أشعلت شرارة الاحتجاجات السورية قضية اعتقال أطفال كتبوا شعارات نقدية على جدران في مدينة درعا.. هل الإعلام المغرض من افتعل قضايا اعتقال أطفال وإدانتهم؟

شهدت الثورات العربية الراهنة وقوع 300 اعتداء على الصحافيين؛ فقد تبارت الأنظمة في ممارسة التضييق والمنع على الإعلام، إلى حد اعتقال وسجن وضرب صحافيين. لكن، على الرغم من كل حالات المنع والاستهداف التي حدثت في مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين، تتصدر سورية لائحة الدول الأكثر تمنعا ورفضا للصحافة. لقد أمكن للصحافة أن تتسلل إلى مناطق غير ممسوكة في ليبيا، لكن الأمر في سورية يكاد يستحيل.

لا يكاد يمر يوم من دون أن يُطرد صحافي أو يسجن أو تصادر تصاريح عمل، إضافة إلى منع جميع الصحافيين من الوصول إلى أماكن المظاهرات والتجمعات في درعا واللاذقية، إضافة إلى رقابة مسبقة ولاحقة على البث الفضائي من تقارير وتضييق كبير على المراسلين.

اليوم، يُكثر النظام السوري الحديث عن الإصلاح.

الرغبة في الإصلاح، إن وُجدت حقا، فإن أول عدو لها هو إعلام النظام وآليات تعامله مع الإعلام؛ فإن كان هناك من إصلاح فهو يجب أن يطال، أول ما يطال، هذا الإعلام والعقل الذي يديره.

سبق أن نجح النظام السوري في تطويق حركات احتجاج سورية عدَّة عبر خنقها أمنيا.. ساعد في ذلك الضبط الإعلامي الممارَس منذ عقود، حتى بات السوريون مطوقين بالمرايا، فيدورون مذعورين من قبضة أجهزة الأمن وسطوتها.

قد يصمد هذا الواقع بعض الوقت بفعل القبضة الأمنية الحديدية، لكن الطوق الذي كُسر لم يعد بالهين ضبطه.

diana@ asharqalawsat.com