عندما تصور الجميع أن المتحف المصري يحترق!

TT

كان اليوم هو يوم الأربعاء 2 فبراير (شباط) 2011 الأمور تسير عادية في ميدان التحرير فالمعتصمون متمسكون بمواقعهم، وقد أقسموا ألا يغادروا الميدان إلا بعد أن تتحقق مطالبهم.. وقُبيل مغيب الشمس تظهر في الصورة من خلف الميدان خيول وجمال تأتي مسرعة في مشهد يعيدنا إلى مشاهد الحروب في عصور الجاهلية والقرون الوسطى حينما كانت الخيول أحد أسلحة الحرب، كان مشهدا لا ينبئ بخير أبدا، بل لقد كان بداية منحنى خطير في ثورة 25 يناير (كانون الثاني).. دخلت جحافل المعتدين إلى الميدان وتصدى لها المعتصمون ورأينا ما لم نكن نتصوره في يوم من الأيام أن تراه أعيننا ولو حكاه لنا أحد لظننا أنه ضرب من الخيال، بل سيناريو لفيلم هندي!

دارت رحى المعركة وتدافع جماعات من المؤيدين لنظام مبارك يتراشقون بالحجارة مع المعتصمين في الميدان ومع حلول ساعات الليل بدأت المعركة تتخذ وجها آخر.. قنابل من المولوتوف وهي زجاجات مليئة بالبنزين وبها فتيل يتم إشعاله ثم تلقى على جبهة «العدو» لإحداث أكبر كم من الخسائر، وللأسف الشديد كانت هذه الزجاجات الحارقة تلقى من أعلى أسطح المباني المواجهة للمتحف المصري عند شارع مارييت باشا، من ضمن ما حدث أن اشتعلت النيران في إحدى العربات الواقفة عند السور الشرقي للمتحف وتصاعدت منها ألسنة اللهب في الوقت الذي كانت فيه إحدى القنوات التلفزيونية تزرع كاميراتها في شرفة حجرة بفندق خلف المتحف المصري من الناحية الشمالية منه وتنقل ما تسميه «حريق المتحف المصري».

ففي البداية كتبوا ألسنة دخان تتصاعد من داخل المتحف المصري، بعدها كتبوا في شريط الأخبار أن المتحف المصري يحترق..!

جرس الهاتف أمامي لا يهدأ.. الجميع يحاول الاتصال بهاتفي ليطمئن على المتحف المصري، ومنهم سيدة لا أعرفها بادرتني بالصراخ قائلة: «أستحلفك بالله أن تنقذ المتحف المصري.. المتحف المصري يحترق.. تراثنا يضيع.. افعل شيئا.. كيف سنواجه العالم حينما يسألنا لماذا لم تحافظوا على آثاركم؟!».

حاولت يائسا أن أطمئنها على المتحف المصري دون جدوى.. بل إنها أمرتني بأن أفتح جهاز التلفزيون لأرى بعيني حريق المتحف، وقلت لها: «إنني على اتصال دائم بمدير المتحف الموجود الآن هناك، وقد أخبرني أن ما يحترق هو عربة بجوار السور الشرقي، وأن المتحف بخير..».

كان لا بد من أن أقوم بالاتصال بالقناة التلفزيونية التي تعرض هذه الأكاذيب سواء عن قصد أو دون قصد لأقول وأصرخ فيهم: «يا عالم إن المتحف المصري بخير وإن المتحف المصري سليم ولم يحترق».

وبعد مرور هذه الواقعة.. نسي الناس هذه القصة وتذكروا فقط ما قلته: «إن المتحف المصري بخير»، وعندما أعلنا عن سرقة بعض القطع الأثرية نتيجة الجرد المبدئي الجاري بالمتحف علقوا لنا المشانق وقالوا إننا كذبنا عليهم وقلنا إن المتحف المصري بخير..

والآن نقول إن المتحف المصري قد سرق منه بعض القطع الأثرية يوم حادث الاقتحام الأسود في 28 يناير!

الأمر يحتاج وقتا طويلا لكي نؤرخ لكل هذه التفاصيل ونضع الأحداث بعضها إلى جوار بعض، لكي نظهر الحقيقة، وهي خالدة، ومفادها أن في مصر شبابا غيورا على تراثه وآثاره يحميه بجسده وبروحه.. وأن هذا التراث بخير ما دام هذا الشباب بخير.