وجلست ووقفت أم كلثوم!

TT

حضرت بروفة إحدى الأغنيات الشبابية. يعني حفلة موسيقية للتدريب على اللحن وحده ثم مع المطرب.. وكان الموعد هو العاشرة صباحا.

وجاءت الفرقة الموسيقية، الواحد بعد الآخر، حتى جاءت الحادية عشرة ولم يحضر المطرب.

فقال لي: أنا آسف سيادتك تعرف المواصلات والزحام الشنيع. طبعا هذا عذر يبادر به كل الناس سواء أكانوا منضبطين أم كانوا من مدارس العبث. وبدأت البروفات من جديد. وبدأ المطرب يغني والمايسترو ينبه المطرب إلى أنه لم يتسع وقته ليحفظ اللحن الجميل واللي حيكسر الدنيا!

وبعد ذلك بدقائق انفض المولد وعاد العازفون إلى بروفات أخرى في استوديوهات أخرى. وبعدها بروفات في استوديوهات الهرم.

وبدأت أكتب بعض الملاحظات. وسألت إن كانت البروفة بدأت.. فقيل: بل انتهت.

وأعود بالذاكرة إلى يوم غنت أم كلثوم (أنت عمري) من ألحان الموسيقار عبد الوهاب. المكان شاسع. وعدد العازفين ستون. وجاء محمد عبد الوهاب وأبدى بعض الملاحظات. ومن هذه الملاحظات نقل العازف الفلاني إلى اليسار، وليس إلى اليمين، والعازف على الكمان يعزف وراء أم كلثوم. وجاءت أم كلثوم. وكان الصمت رهيبا. والتفتت أم كلثوم إلى العازفين وحيتهم وصافحتهم وأعلن المايسترو أن هذه هي البروفة الرابعة. لكن هذه البروفة سوف تكون تسجيلا يذاع على شرائط. ووقفت أم كلثوم. ورفع المايسترو عصاه. وساد صمت رهيب. وبدأ العزف وتوارى عبد الوهاب. وطلبت أم كلثوم إعادة العزف ووقفت.

لقد جاءت في موعدها وقد حفظت اللحن تماما وغنته كثيرا وحدها.. ثم غنت اللحن مع الفرقة وقد اكتمل عددها. وهي تغني. وتطلب المايسترو وتسأله ما رأيه في اللحن.. وما رأيه في العازف الذي كان خارجا عن الصف.. فقال إنه أدى التعديلات واستبعد اثنين من العازفين.. والأستاذ عبد الوهاب راض تماما.

وجلست أم كلثوم وطلبت أن تسمع المقدمة الموسيقية البديعة.. ووقفت أم كلثوم وبدأ عزف المقدمة والتصفيق لها من عدد من النقاد والعازفين.. والتفتت أم كلثوم إلى الفرقة وأعطت إشارة البدء. وبدأت ودوخت الحاضرين بأدائها الجميل.. وجاء عبد الوهاب يقول لها: الله يا ثومه.. الله عليك يا ست الكل!

ثم انحنى يقبل يديها.. وتصفيق حاد من كل جوانب الاستوديو!