الوقوع في فخ نجاد

TT

لم يكذب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد عندما تعهد أن يرفع سعر برميل البترول إلى مائة وخمسين دولارا حيث سارعت السوق إلى تسجيل أرقام قياسية جديدة وصلت إلى مائة وعشرين دولارا بعد تصريحه المندد بدول الخليج، والحكومة البحرينية، ومحذرا من مغبة ما سماه الغزو السعودي الإماراتي للبحرين، ومعلنا دفاعه عن شيعة البحرين.

في وضعه الاقتصادي المحاصر، وبسبب تراجع مداخيل حكومته، وتبنيه سياسة تقشف قاسية على حساب معيشة المواطن الإيراني من أجل إكمال مشروعه النووي فإن رفع سعر النفط يحقق له مكاسب مالية إضافية. وفوق هذا اكتشف في لعبة التهديدات أنه صار زعيما لأول مرة، شكرا للبحرين ودول الخليج التي دخلت معه في جدال علني ورفعت درجة التوتر إلى أقصى درجاتها بين الجانبين منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما.

الأهم من المال، بالنسبة لنجاد، هو الصعود السياسي في المحيط الشيعي في المنطقة. منحته أزمة البحرين والملاسنة الكلامية مع الدول الخليجية شعبية غير مسبوقة بين شيعة بلده إيران، وشيعة العرب، حيث ظهر لهم كالمنقذ من براثن السنة الذين صوروا كهمج تكالبوا على شيعة البحرين المحاصرين في دوار اللؤلؤة، وارتكبوا بحقهم مجازر مروعة تجاهلها المجتمع الدولي.

إلى أسابيع قليلة كان نجاد يواجه بتجدد الانتفاضة الشعبية في طهران جعلته يستغل انشغال العالم بثورة مصر لمحاصرة عدويه منتظري وموسوي في طهران، خاصة أن دائرة الغضب اتسعت ضده بعد رفعه الدعم عن السلع الحيوية بما فيها سعر الديزل والبنزين الذي زاد حياة الإنسان الإيراني شقاء.

بدل استراتيجيته فتخلى عن شعاراته السابقة؛ تهديد إسرائيل ومخاطبة عموم العرب والانتصار لصالح الجماعات الإسلامية السنية والشيعية. قرر أن يركب الموجة الطائفية ويعلن دفاعه عن الشيعة العرب، تحديدا في البحرين.

زاد رصيده بين شيعة الخليج العرب وشيعة العراق ولبنان حيث ظهر لأول مرة أنه حامي الشيعة ولم يعد يرغب في تزعم عموم العرب والدفاع عنهم وتحديدا السنة، مثل حماس والإخوان المسلمين في مصر والأردن، ولم يعد إلى خطابه الدائم بمواجهة إسرائيل الذي كان يدغدغ عاطفة غالب السنة. لاحظ نجاد، مثل غيره، أن الثورات العربية أفرزت خطابا طائفيا في البحرين وسورية، ويبدو أنها أوحت للرئيس الإيراني المحاصر داخل بلاده أنها خشبة الخلاص له. وهكذا تبنى الخطاب الطائفي شيعيا. وحتى ينافس خصومه من الزعامات الشيعية التي انتبهت إلى الاستراتيجية الجديدة، مثل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وزعيم حزب الله السيد حسن نصر الله، رفع درجة التحدي مهددا ومتوعدا. ويبدو أن دول الخليج استفزت فانزلقت إلى فخ نجاد بالرد عليه وتوسيع دائرة الجدل والتحدي الذي كان يرجوه حتى يمنحه شعبية بين مواطنيه لأول مرة منذ الانتخابات التي كسبها تزويرا. وأتوقع أن يصعد في الأيام المقبلة حملته الدعائية لأنه يدرك قيمتها في محيطه بغض النظر عن النتائج السلبية التي ستتركها على المعارضة البحرينية وعلاقاته مع دول الخليج، فكل همه الرئيسي الحصول على شعبية بين الإيرانيين وبدرجة أقل في وسط الشيعة العرب.

لأن نجاد هو الرئيس الوحيد المكروه عند فئة كبيرة من مواطنيه الإيرانيين وجلهم شيعة، ومكروه جدا بين معظم القيادات السياسية الإيرانية التي أتت مع مؤسس الثورة الإيرانية قبل ثلاثين عاما، من الطبيعي أنه ركب الموج الطائفي للخروج من عزلته وتجنب شرور الثورات التي اقتربت نيرانها منه.

[email protected]