أسوأ استغلال للدين

TT

لندن - أراد تيري جونز، قس كنيسة فلوريدا، الذي نظم عملية حرق القرآن في 20 مارس (آذار)، أن «يثير فتنة». انتهت المهمة. ولعله يرغب في تفسير موقفه لأسرة السويدي جواكيم دانغل (33 عاما) الذي تعرض للذبح في مقر بعثة الأمم المتحدة في مزار شريف على يد الأفغان الذين خرجوا في حالة من الغضب الشديد بسبب تصرف جونز الأحمق.

لا يوجد ما يمكن أن يبرر به جونز فعلته لعائلة دانغل أو أي موظف آخر قتل في بعثة الأمم المتحدة. لا يهتم جونز بعملية التبرير، إنه متعصب. وكيف يمكن أن نصف مسيحيا لا يفسر عقيدته على أساس الحب والتعاطف، بل على أساس إثارة الكراهية تجاه الإسلام، بخلاف هذا الوصف؟

ليست هناك مناقشة مع متعصب مثله: فقد تنتهي منها وأنت تتناقش في موضوع آخر غير الذي بدأت به.

جونز ليس وحده في حملة الإسلاموفوبيا التي تشن في الولايات المتحدة، وهو ما يثير قلقا بالغا. ولكن قبل أن أتطرق إلى هذه النقطة، سأتحدث عن الأفغان القاتلين ومن ساعدوهم.

من هؤلاء المساعدين الرئيس الأفغاني حميد كرزاي. لم يكن حصيفا عندما اشار إلى ما ارتكبه جونز أمام عدد قليل من مساعديه. فلماذا يتم تصعيد هذا الحادث الصغير التافه وزيادة الصخب حوله؟

لا يتورع كرزاي عن فعل أي شيء يخفي خلفه ضعفه. ويجب عليه أن يحتقر من يحسن إليه ويضمنه - الغرب - من أجل البقاء.

لم تقف عدم الحصافة عند كرزاي، بل اختار أئمة مزار استغلال خطبة الجمعة لإثارة الجماهير. أما بالنسبة لحادث القتل ذاته، سواء تم على يد متمردين من طالبان اخترقوا الجماهير أو غيرهم، فهو حادث بشع ضد أشخاص أبرياء ويجب أن يدينه العالم الإسلامي، في المساجد وغيرها. وأنا ما زلت أنتظر.

لم يكرم ستافان دي ميستورا، رئيس بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، من قتلوا، لأنه لم يصدر بيانا يدين فيه مرتكبي الحادث. كان على صواب في وصفه ما فعله جونز من حرق المصحف على أنه «جنون ويستحق الازدراء»؛ ولكن كان يجب عليه أيضا أن يستخدم الكلمات ذاتها لوصف قتل رجاله. عدم فعل ذلك يعد جبنا، بل وأيضا إهمالا جسيما.

لقد بدأ كل هذا الجنون في مركز دوف وورلد أوتريتش في فلوريدا، التي تضم كنيسة جونز الصغيرة. وكما ذكرت الزميلة ليزتي ألفاريس، يعتقد جونز، غير النادم على فعلته، أن الإسلام والقرآن يخدمان «العنف والقتل والإرهاب» فقط. وفي هذا غباء يشبه قول إن المسيحية هي ما ذكر في مزمور 137 - أنه يجب ضرب «أطفال» العدو في الصخر.

ولكن هذه الآراء المحرضة حول دين عالمي تجد تعبيرا منتشرا في الولايات المتحدة، حيث أصبح «شبح الجهاد» هو الموضوع المكرر الذي يتحدث فيه الجمهوريون.

وجد كثير من الجمهوريين، من بينهم رئيس مجلس النواب نيوت غينغريتش وعضو مجلس النواب بيتر كينغ، أن هناك فرصة سياسية سانحة باستهداف «الشريعة التي بدأت تزحف إلى الولايات المتحدة» في الوقت الذي يحمل فيه الرئيس الأميركي اسم حسين. (أظهر استطلاع رأي أجرته «نيوزويك» في العام الماضي أن 52 في المائة من الجمهوريين يتفقون على أن «باراك أوباما يتعاطف مع أهداف الأصوليين المسلمين الذين يريدون فرض الشريعة الإسلامية حول العالم»).

أمضيت فترة من الوقت في العام الماضي مع بول بلير، راعي كنيسة في بلدة صغيرة في أوكلاهوما، وهي ولاية ينتشر فيها الإسلاموفوبيا. قال لي إن المسلمين «ليسوا هنا للتعايش، بل للسيطرة». وأخبرني أن هناك احتمالين فقط في الإسلام؛ «دار الإسلام أو دار الحرب».

هذه هي نوعية الرسائل التي تخرج من كثير من الكنائس في الولايات المتحدة. إنه أمر خطير. في الواقع، تبلغ نسبة المسلمين 14 في المائة من ضحايا قضايا التمييز الديني، في حين يشكلون واحدا في المائة من عدد السكان.

وفي أوروبا أيضا، يقود السياسيون اليمينيون تعصبا انقساميا معاديا للمسلمين، وقد حققوا في ذلك بعض النجاح.

ينبغي على المسلمين أن يقوموا بعمل شيء ما. يجب أن تتوفر لديهم الشجاعة على إدانة حادث القتل في مزار الشريف بوضوح. لقد شوه الجهاديون دينا عظيما دون أن يجدوا توبيخا كافيا. ومن مصر إلى باكستان، يجب أن يكون مفهوما أن الإسلام لا يمكنه أن يكون قوة سياسية وفي الوقت ذاته فوق النقد. بمجرد أن تدخل إلى الساحة السياسية على أساس ديني، لم تعد معتقداتك شأنا خاصا ولكنها معرضة لنقد مشروع. وتعد قوانين ازدراء الأديان التي تحرض على العنف في باكستان إهانة لهذا المبدأ.

وفي المقابل، يعيش جونز في دولة يدافع فيها القانون عن حماقته. أؤمن بحرية الرأي المطلقة، لذلك أؤيد هذا القانون. ولكنه يجب أن يرجع إلى ضميره: ما مدى اتفاق العقيدة الدينية مع إثارة الكراهية والقتل؟ وكيف يمكن لمروجي الإسلاموفوبيا، الذين يبثون السم، تبرير 3الكاريكاتيري المتنافر للإسلام في سعيهم وراء الستار من أجل المكاسب السياسية.

أعرف أن هذا المقال يمتلئ بالغضب. وليس به أبطال. فأنا أشعر بالاشمئزاز، وأكتب بعد عطلة نهاية أسبوع شهدت عودة العنف الديني إلى أيرلندا الشمالية؛ حيث قتل رونان كير رجل شرطة كاثوليكي عمره 25 عاما، على يد إرهابيين انفصاليين. يملك الدين إجابة على ما حدث في غاينسفيل ومزار وأوماغ.

أرى أسباب تحول كثيرين إلى الدين: الخوف من الموت، والنظام في كون غامض، والخلاص من الألم، بل والوحي. ولكن بالتأكيد لا يوجد لذلك معنى إن لم يكن به رحمة ومغفرة، ومن المؤكد أن نقيض الدين هو الكراهية والقتل. على الأقل هذا ما يبدو لشخص غير مؤمن.

* خدمة «نيويورك تايمز»