مصر الهاربة للأمام

TT

وصف شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب السلفيين بأنهم «خوارج العصر»، محذرا من وجود مخطط لاختطاف الفكر والمنهج الأزهري الوسطي المعتدل الذي حافظ الأزهر عليه لأكثر من ألف عام.

وأشار إلى أن «عقيدة الأزهر الشريف هي عقيدة الأشعري والماتريدي وفقه الأئمة الأربعة وتصوف الإمام الجنيد».

وسبب غضبة شيخ الأزهر، أن من يدعون بـ«السلفيين» زورا وبهتانا، قد استغلوا التظاهرات في مصر، وركبوا الموجة مع من ركبها من «الإخوان المسلمين» وعاثوا في المجتمع والأرض تحطيما، ابتداء بملاهي شارع الهرم وانتهاء بهدم وإشعال النيران بالأضرحة والمقامات، مرورا بما وقع تحت أياديهم من تماثيل الفراعنة على أساس أنها أصنام.

وأحدثوا الرعب عندما شكلوا منهم فصائل (للاحتساب) تجوب الشوارع لتدعو، حسب مزاعمهم، للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ليس بالحسنى ولكن بالإكراه، وهددوا بإلقاء مواد حارقة على وجوه النساء السافرات وخطف الفتيات والسيدات اللاتي يمشين في الشوارع من دون أن يغطين رؤوسهن، وأدى ذلك إلى حالة من الذعر بين المسيحيات والمسلمات غير المحجبات، إلى درجة أن الكثير من الأهالي منعوا بناتهم من الذهاب إلى المدارس.

وأغلب هؤلاء يعرفهم كل من يقابلهم من سيماء التجهم والعبوس التي ترتسم على ملامحهم، كما أنهم اختطفوا كثيرا من منابر المساجد في صلوات أيام الجمع وأخذوا يهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور كل من يخالفهم ولا يتبع ملتهم.

ولا شك أن الكثير من الناس قد ضاقوا ذرعا بهذه الأساليب المتطرفة التي لم تعهدها مصر في تاريخها المتسامح، فكانت هناك ردة فعل بدأها شيخ الأزهر في تصريحه الذي بدأت به هذا المقال.

غير أن هناك فئة منهم انتبهت لردة الفعل تلك، فأرادت أن تلمع وجهها، فأسست موقعا على «فيس بوك» تريد به أن تخفف دمها وتطمئن الناس.

وعندما دخلت على ذلك الموقع تبسمت بألم مما قرأته، والذي جاء فيه: «أنا سلفي ومش هاخطف حد النهارده»، أو «كفاية هبل وافهمونا»، أو «أنا سلفي ولكنني لا أعض»، أو «السلفيين مش ضاربين بوز دول بيعبدوا ربنا وبيهزروا كمان».

أخشى ما أخشاه أن «السبحة قد تنفرط» لا سمح الله في مصر، وأن التظاهرات التي اجتاحت الميادين وكان لها قبول في البداية، قد استفحلت وخرجت من إطارها المعقول، وبدأت ترتد سلبيا على حياة الناس ومعاشهم ومستقبلهم، وهذا ما لا يرضاه أي مخلص للبلاد.

وما حصل أخيرا في المباراة الرياضية بين نادي الزمالك المصري والنادي الأفريقي التونسي، عندما اجتاحت الجماهير المنفلت عقالها الملعب بطريقة عبثية، ما هو إلا مؤشر خطير لما وصل إليه الوضع من انحدار مزر، ومما يؤسف له أن الكثير من الكتاب عندما تصدوا إلى هذه الظاهرة أخذوا يرمون تبعاتها على «العهد البائد»، وهذا التبرير الساذج ولا أقول الغبي، هو من وجهة نظري ما هو إلا «هروب للأمام».

فكفانا مسخرة، ولا تجعلونا نستعيد بيت شعر المتبني القائل: «يا أمة ضحكت من جهلها الأمم»، وها هو ميدان التحرير يمتلئ اليوم بـ«بالمظاهرة المليونية» العبثية، ولكن إلى متى؟!

نعم إلى متى ومصر تتخبط؟!، هل فقئت عيناها وهي لا تدري؟!

[email protected]