دكان صغير في صيدا

TT

روى الزميل يحيى حمزة أنه لاحظ يوما أن حفيده تخلف عن الذهاب إلى المدرسة، فساوره القلق، فسأله عن السبب فقال: «اعتصام. عاوزين نغير المدير». وقلت له إن عالم الأطفال لا يتغير، فقط تتغير ألعابه. ورويت له ما كتبه نجيب محفوظ في أصداء سيرته الذاتية عن طفولته بدايات القرن الماضي.

«كنت في السابعة عندما تلوت صلاة من أجل الثورة». فقد ذهبت إلى المدرسة الابتدائية برفقة الشغالة «وكأنني ذاهب إلى السجن، والهواء البارد يلفح ساقي، فوجدنا المدرسة مقفلة، والبواب يقول لنا في صوت جهوري إنه بسبب التظاهرات لن تكون هناك مدرسة اليوم أيضا. غمرتني موجة من الفرح وحملتني إلى شاطئ السعادة. ومن أعماق قلبي تضرعت إلى الله أن تبقى الثورة إلى الأبد».

لو دامت إلى الأبد لما تحول نجيب محفوظ إلى أكبر روائيي مصر. ونأمل أن تحسم ثورة 25 يناير (كانون الثاني) أمورها في وقت قريب، لكي يخف فرح الأطفال ويعود فرح الراشدين.

الطفولة حلم، أكثر مما هي حقيقة. وكان الفنان الإسباني سلفادور دالي يقول إنه عندما كان في السادسة أراد أن يكون طباخا. وعندما أصبح في السابعة أراد أن يصبح نابليون: «ولم أتوقف عن الطموح مذ ذلك الوقت».

الطفل أندرو كارنيغي كان له حلم واحد: ألا يطرد من مصنع الحياكة الذي وجد عملا فيه. لكنه بعد ذلك وجد عملا في سكة الحديد. وعلى تلك السكة ظل يترقى في الوظيفة إلى أن بلغ الثلاثين، فقرر أن يستقيل ويؤسس شركته الخاصة وهو لا يدري أنه سوف يصبح أول وأكبر صناعيي الفولاذ، وأغنى رجل في العالم، وأحد الذين أسهموا في جعل أميركا دولة كبرى.

يروي الشاعر الملحمي بولس سلامة أن والده أرسله إلى صيدا لكنه بدل أن يحب مدرستها طاب له أن يقتني ذات يوم دكانا صغيرا لبيع السجائر مثل الدكان القريب من المدرسة. بدل الدرس والتعب والامتحانات والمدرسة الداخلية، دكان صغير بلا هموم ولا غيوم. وحمل الفكرة وعاد بها إلى قريته على عربة خيل، فوصل القرية ليلا والخيول متعبة (نحو 1912) وهو مجهد. ولما فتحت له أمه الباب صرخت في وجهه، ماذا جئت تفعل؟ ورق له قلب والده، غير أن الأم أمرته بالعودة إلى المدرسة حتى دون عشاء.

عندما أصبح حالم الدكان أحد أشهر قضاة وشعراء لبنان كتب في مذكراته أنه لو لم تضبط أمه عواطفها، لكان صار أشهر بائع سجاير في صيدا.