لماذا تتجسس إيران على الدول العربية؟

TT

منذ بدايته، شهد عام 2011 توترا واضحا في العلاقات بين قادة الجمهورية الإسلامية في إيران والدول العربية المجاورة، خاصة دول الخليج. فبعد تدخلها الصريح في الشؤون الداخلية للبحرين وتشجيعها للفتنة الطائفية، تعرضت البعثة الدبلوماسية السعودية في طهران إلى اعتداءات من قبل بعض المناصرين للنظام، ووجهت إيران تهديدا لبعض دول الخليج طالبة سحب قوات درع الجزيرة من البحرين. ثم أعلنت الكويت عن كشفها عن تسع شبكات تجسس إيرانية تجمع معلومات متعلقة بالأمن القومي وتخطط للقيام بأعمال تخريبية في البلاد، وتبين أن شبكات التجسس منتشرة في دول مجلس التعاون الخليجي.

ويلاحظ أن هذه التوترات جاءت في الوقت ذاته الذي قامت فيه بعض الشعوب العربية بحركات احتجاجية، تنادي بسقوط الأنظمة القمعية الفاسدة وتطالب بالحرية والديمقراطية. ولما كان الشعب الإيراني يواجه قمعا وحشيا من قبل النظام منذ إعادة انتخاب الرئيس أحمدي نجاد في صيف 2009، فقد خشيت السلطات الإيرانية أن تمتد هذه الحركات إلى أراضيها، وتهدد بسقوط الجمهورية الإسلامية وإقامة حكم ديمقراطي بديل. ومنذ بداية فبراير (شباط) الماضي ساد الشعور بالقلق لدى السلطات الإيرانية بسبب حركات الاحتجاج الشعبي في تونس ومصر، فقررت إحكام سيطرتها على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية الإلكترونية، حتى تمنع التواصل بين شبابها. وعندما أعلنت المعارضة نيتها الخروج في مظاهرة تضامنا مع الثوار في مصر، وجه حسين حمداني قائد الحرس الثوري تحذيرا لها قائلا: إن على الغوغائيين أن يعلموا أننا نعتبرهم أعداء للثورة (الإسلامية) وسنتصدى لدسائسهم بقوة.

رغم هذا خرج الشباب الإيراني في 14 فبراير بمظاهرات حاشدة في طهران وبعض المدن الأخرى تأييدا لثورات الشعبين المصري والتونسي، وردد المتظاهرون هتافات مباشرة ضد آية الله علي خامنئي - المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية - قائلين «بن علي، مبارك. إنه (جاء) دورك يا سيد علي». وبينما حاول خامنئي اعتبار الثورة المصرية امتدادا للثورة الإيرانية، فقد اعتبرها الشباب المعارض بداية لسقوط نظام آيات الله في إيران. عندئذ أدرك النظام الإيراني ضرورة القيام بهجوم مضاد، في محاولة منه للسيطرة على حركات الاحتجاج العربية وفتح جبهة للصراع الخارجي، حتى يخف الضغط عليه في الداخل.

وفي 29 مارس (آذار) الماضي أصدرت محكمة كويتية أحكاما بالإعدام على اثنين من الإيرانيين وكويتي واحد كما حكمت على اثنين آخرين بالسجن المؤبد، بتهمة الانتماء إلى شبكة إيرانية للتجسس على البلاد. وتبين أثناء المحاكمة أن الجواسيس جندهم علي ظهراني الملحق السياحي لإيران بالكويت، منذ تسعة أعوام. وكشفت التحقيقات أن الجواسيس الذين تقاضوا أموالا كثيرة من إيران، كانوا يلتقون برجال المخابرات في طهران أو في السفارات الإيرانية بالكويت والبحرين وإندونيسيا، ويقومون بتصوير مواقع عسكرية حساسة كويتية وأرتال أميركية، وكانوا يخططون لتفجير بعض المنشآت النفطية مستخدمين مواد متفجرة زودتهم بها المخابرات الإيرانية.

طلبت الكويت من سفيرها في طهران العودة للتشاور وأعلن الشيخ محمد الصباح وزير الخارجية أن بلاده قررت طرد مجموعة من الدبلوماسيين الإيرانيين المتورطين في القضية، قائلا: هذه الشبكة التآمرية مرتبطة بعناصر رسمية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

كانت هناك نقاط خلاف بين إيران ودول الخليج منذ قيام الثورة الإسلامية في 1979، لكن الخلاف لم يصل إلى درجة الصراع المكشوف في السابق. بل إن العلاقات بين إيران ودول الخليج تحسنت عقب حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت من سيطرة صدام حسين. لكن الوضع منذ أن صار أحمدي نجاد رئيسا للجمهورية الإسلامية في 2005، أصبح مختلفا. وتنحصر نقاط الخلاف بين دول الخليج والجمهورية الإسلامية في محاولات إيران المتكررة فرض سيطرتها على مملكة البحرين، ورفضها المستمر لحل قضية الجزر الإماراتية الثلاث - أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى - بالطرق الدبلوماسية. أما الخلافات بين الدول العربية بشكل عام وإيران فتتعلق بالقضية الفلسطينية والمسألة اللبنانية ومحاولات إيران التدخل في شؤونها الداخلية.

فقد تمكنت إيران بفضل تحالفها مع سورية من مد نفوذها في لبنان عن طريق حزب الله وإلى فلسطين عن طريق حركة حماس. وبينما تحول لبنان إلى رهينة في يد حزب الله، انقسمت الأراضي الفلسطينية إلى قسمين بسبب تمرد حماس. وفي الوقت الذي قررت فيه الدول العربية محاولة التوصل إلى حل سلمي للقضية الفلسطينية عن طريق المفاوضات، حاولت إيران إفشال هذه المحاولة عن طريق حلفائها. كما اتهمت صنعاء إيران بالتدخل في المعارك التي دارت في شمال اليمن، بين الحوثيين المتمردين والقوات اليمنية. وفي مصر كشف رجال الأمن عن خلية أقامها حزب الله اللبناني، كانت تخطط للقيام بأعمال إرهابية في البلاد، وتبين أن العديد من أعضائها تلقوا تدريباتهم على يد الحرس الثوري الإيراني.

وبينما يوافق العرب على حق إيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، تصر إيران على الاستمرار في تطوير برنامجها النووي بعيدا عن مراقبة الهيئة الدولية للطاقة النووية. وفي الاجتماع الذي عقد في 22 يناير (كانون الثاني) الماضي باسطنبول بين وفد إيران وممثلي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، رفضت طهران وقف تخصيب اليورانيوم أو وضع برنامجها النووي على أجندة المفاوضات. ورغم المعاناة الاقتصادية التي يعيشها الشعب الإيراني بسبب العقوبات التي فرضها مجلس الأمن على البلاد، ظلت طهران مصممة على موقفها المتشدد ورفضت حتى الحديث عن برنامجها النووي.

من حق العرب أن يتساءلوا: إذا كانت إيران لا تتعرض لأي هجوم خارجي، فلماذا تصر على المضي قدما في إنتاج السلاح النووي؟! ومن حقهم كذلك أن يتساءلوا: إذا كانت إيران الآن لا تكف عن محاولة مد سيطرتها إلى داخل البلدان العربية، فما الذي يمكن لها أن تفعله لو أنها امتلكت بالفعل سلاحا نوويا؟!