آكلك منين يا تفاحة؟!

TT

أصطفي من الفواكه تحديدا التفاح، ولي الآن، ودون أي مبالغة، أكثر من ثلاثة عقود، لا تمر ليلة إلا وأتناول فيها تفاحة، ولي طقوس خاصة في تناولها، فأولا أغسلها وأنشفها بيدي، ثم أتأملها وأقلبها بين أصابعي وأمسد عليها مثلما يمسد العاشق براحة يده على خد محبوبته، ثم أشمها وأطبع عليها من كل الجهات قبلاتي المتتالية، وبعد ذلك أسمي عليها لتذهب بعدها إلى بطني معززة مكرمة.

ولا أظن أن هناك ثمرة تشبه المرأة أكثر من التفاحة.

وأذكر أن صديقا عزيزا جاءت له مولودة، وبحكم صداقتنا اتصل بي يبشرني بها ويرجوني أن أختار لها اسما، فقلت له مازحا: إذا أردت رأيي فأتمنى أن تسميها (تفاحة)، والغريب أن ذلك الأهبل أعجبه اقتراحي وهذا هو ما حصل فعلا، واليوم أصبح عمر الطفلة تفاحة عشرة أعوام، والمشكلة أنها تعقدت جدا من اسمها، وأصبحت كارهة لي لأنني أنا الذي اخترت لها هذا الاسم، والسبب أن إحدى مدرساتها غضبت منها يوما بسبب شقاوتها وقالت لها: أنت لست تفاحة ولكنك (برشومية)، ومن يومها أصبحت زميلاتها لا ينادينها إلا بهذا الاسم: تعالي يا برشومية، روحي يا برشومية. وقبل أيام أتاني والدها ليخبرني أن ابنته مصممة على تغيير اسمها، فقلت له: إذن لماذا لا تسميها (رمّانة)؟! وعندما لاحظت أنه امتعض من كلامي، قطعت عليه صمته قائلا: ولا أحسن سمها (موزة)، فانفرجت أساريره وخرج من عندي، وبالأمس اتصل بي قائلا لي: أبشرك أن ابنتي فرحت بهذا الاسم الجديد وأصبح اسمها الآن موزة.

ولكي أضرب لكم مثلا بشدة شغفي بالتفاح، فقد استغللتها فرصة عندما كنت في بريطانيا، وذهبت إلى منطقة (سومرست)، حيث إنني قرأت أن هناك تقليدا عجيبا حرصت شركة (سايدر) التي تعمل في مجال إنتاج التفاح وتصنيعه وتصديره، أن تحافظ على ذلك التقليد الذي يرجع تاريخه إلى العصور القديمة التي سادت فيها الوثنية.

ويتضمن هذا التقليد خروج البنات العذراوات مرتديات ملابس بيضاء - مثل أردية الزفاف - للركض وسط أشجار التفاح في المزارع وهن يُغنين. ويركض الرجال خلفهن وهم يطلقون السهام إلى أعلى فروع أشجار التفاح.

ويتحدد موعد هذه المناسبة في ليلة الخامس عشر من يناير (كانون الثاني) من كل عام، التي تُعد من وجهة نظرهم ليلة منتصف الشتاء.. ويتفاءلون كثيرا إذا كانت البرودة فيها شديدة، وتساقطت الثلوج أثناء الاحتفال بالتقليد الغريب القديم المتجدد!

ويطلقون على ما يحدث اسم (غناء الوصال).. ويقولون إنه في عصر الوثنية كان الهدف منه هو إغراء الأرواح الشريرة بمحاولة الهجوم على العذراوات الجميلات أو تقمصهن.

وعندما تقترب تلك الشياطين - كما تزعم الأسطورة - وتكمن وسط فروع الأشجار، يطلق الرجال سهامهم عليها، فإما أن تموت أو تهرب.. وفي كلتا الحالتين يؤدي ما يحدث إلى تطهير المزارع منها، ويعود ذلك بوفرة الإنتاج المحصولي من التفاح.

ولا تسألوني عما فعلته في تلك المعمعة، الشيء المهم والمؤكد أنني لم أخرج في ذلك اليوم السعيد إلا وقد حصلت على عدة تفاحات، أكلت واحدة منهن في غرفتي بالفندق، وبعدها نمت قرير العين تكتنفني الأحلام الوردية من كل جانب، وكنت خلال ذلك أتقلب في فراشي مثلما يتقلب التمساح داخل الماء.

[email protected]