شبان وكهول

TT

هناك ما يفرح وهناك ما لا يفرح، مفرح أن تكون ثقافة القمع قد ولت، ومفرح أن تكون الديكتاتوريات الرابضة قد سقطت، شبرا شبرا وزنقة زنقة. ومفرح أن الرؤساء قد أبلغوا أخيرا بوجود الناس والبشر. ومفرح أن السيدة مبارك لم تعد تقرر من يحكم مصر بعد زوجها، وأن السيدة بن علي لم تعد تحلم بأن تحكم تونس بعد زوجها. ومفرح أن سورية، بعد مصر، قررت رفع قانون الطوارئ بعد نصف قرن. كما قررت أن حكم الحزب الواحد لم يعد لائقا في هذا القرن. ومفرح أن يكون الفريق علي عبد الله صالح قد لمح بين ملايين اليمنيين الذين خرجوا لتأييده، أحدا غير ابنه وصهره، وربما لمح أيضا أعداد الذين خرجوا ضده.

مفرحة هذه العلامات وكثير غيرها. مفرح أن تتقبل الجزائر فكرة رفع الطوارئ بعد ستة عقود على خروج المستعمر الفرنسي. وأن تتذكر أن الفارق بين الظلم الأجنبي والظلم الوطني هو فقط في الهوية، وأن الثاني أشد مضاضة ومرارة وألما.

وهناك ما هو غير مفرح. في البداية رأينا وجوها شابة بعشرات الآلاف. جيل ولد في عصر مبارك وبن علي وصالح والأخ قائد الثورة العالمية الثالثة وأمين القومية العربية وملك ملوك أفريقيا. شباب يقولون لهؤلاء السادة: ارحل وخذ معك ابنك وصهرك ومدير مكتبك. شباب وصبايا. خريجون لا يعثرون على عمل ولا يرون مستقبلا ولا يعرفون أملا. وكان ذلك حسنا. لكن ماذا حدث لـ«ثورة الشباب» الآن؟ لقد امتلأ ميدان التحرير بالكهول، والذين يتقدمون شباب صنعاء ويصرحون للتلفزيون فقدوا أسنانهم كلها. وإلى متى سوف يظل مئات آلاف البشر في الساحات والشوارع، وكيف نحارب البطالة بإيقاف حركة البلاد، وكم تخسر مصر وتونس من مداخيلهما الأساسية في السياحة والاقتصاد والاستقرار؟

إذا لم يكن الثوار قد تمكنوا إلى الآن من اختيار ممثليهم والتوافق على برنامجهم ووضع خطط فورية ومتوسطة وحتى بعيدة، فهذه علامة ضدهم. إذا لم تكن أسرة مبارك قد وجدت أحدا يليق بمصر سوى جمال، فهل لم تعثر أسرة الثورة على قادتها حتى الآن، لا في مصر ولا في تونس ولا في اليمن؟

اعتادت الثورات أن تصفي نفسها، كما فعلت الثورة الأم في فرنسا، إلى أن جاءها الضابط الكورسيكي نابليون. هكذا فعلت الثورة البلشفية. لكننا هنا لسنا أمام حركات دموية، إلا في قنص القناصين. هنا حركات ليس أدل على صدقها وعفويتها، أكثر من سنوات الكبت والقمع وغياب العلاقة بين الحاكم والناس، بحيث تزين له وحدته مع ذاته أنه معجون من ذهب لا يصدأ.