الإصلاح وليس التغيير

TT

اتهمني بعض القراء بالطائفية لخوضي في موضوع التخبط الجاري في العراق. الحقيقة أن هذه التهمة تكشف عن مدى تغلغل الطائفية في نفوس البعض، بحيث لا يستطيعون أن ينظروا إلى شيء إلا من زاوية طائفية. كل من يعرفني ويعرف تاريخي السياسي والفكري يعرف موقفي من هذه الأمور. لي صديق حميم في لندن أعرفه منذ نصف قرن وأعامل بيته كما لو كان بيتي. وألتقي به أسبوعيا. ربما لا يصدق القارئ إذا قلت إنني حتى الآن لا أعرف ما إذا كان سنيا أم شيعيا أو إن كانت زوجته الفاضلة، التي تكرمني بطعامها كلما زرتهم، سنية أم شيعية.

إنني أنظر لهذه النزاعات من الزاوية الاقتصادية المحضة، وغالبا في إطار العركة على الكعكة. كانت إيران دولة سنية وتحولت للمذهب الشيعي، ليس لأن الشاه سمع فجأة بمقتل الحسين وإنما لأنه دخل في نزاع مرير مع تركيا السنية. شن المسلمون في بغداد حملة شعواء في الخمسينات ضد اليهود، ليس حبا في فلسطين وإنما لأن اليهود كانوا يسيطرون على السوق وعجز المسلمون عن منافستهم. اتهموهم بالصهيونية وأقنعوا الحكومة بعدم إعطائهم إجازات او تراخيص. اضطر التاجر اليهودي إلى مشاركة مسلم لاستعمال اسمه في الإجازة لقاء إعطائه حصة من أرباح العمل، في حين يجلس الشريك المسلم في المقهى يلعب النرد والطاولة ويتكلم عن تحرير فلسطين.

تمكن قادة الجيش السنة من لصق شكوك الولاء بأبناء الشيعة، وبالتالي منعهم من الوصول إلى المراتب العليا في الجيش، ليس لحرصهم على صيانة الجيش من أي ميول نحو إيران، وإنما لرغبتهم في احتكار تلك المناصب العالية لأنفسهم ولأبنائهم.

قانون الاستمرارية الذي ينطبق في الفيزياء على حركة الأجسام ينطبق أيضا على دنيا السياسة. التمييز الطائفي العثماني ضد أبناء الشيعة (بسبب النزاع مع إيران) أخذ استمراريته في أوائل الحكم الملكي في العراق. إدارة الدولة مثل إدارة متجر. تتطلب معرفة وخبرة. كان أكثر من تولى الحكم بعد 2003 يتمتعون بخبرة كبيرة في العمل الحزبي والمعارضة. ولكن لا شيء من ذلك في الحكم أو الإدارة، فتخبطوا. على نقيض ذلك أبدع سنان الشبيبي في إدارة البنك المركزي؛ لأنه يحمل مؤهلات وخبرات طويلة في العمل اقتصاديا لدى الأمم المتحدة.

من المفرح والمشجع أن المتظاهرين في العراق والبحرين وعمان تظاهروا مؤخرا بشعار إصلاح النظام لا تغيير النظام. سيستغرب البعض أنني كنت أؤيد نوري المالكي منذ مدة طويلة. وأعربت عن هذا في محاضرة ألقيتها في دار الإسلام حين قلت: «ليس من مصلحة البحارة أن يلقوا بالقبطان في البحر والسفينة في منتصف الطريق. الاستقرار أساس للتنمية والاستقرار يتطلب الاستمرارية». وإذا قلت إن هذه المجموعة التي تحكم العراق الآن قليلة التجارب في الحكم والإدارة فالأمل أن تكتسب ذلك بمرور الأيام. المطلوب ليس تغيير الجوقة بجوقة أخرى ليست أكثر خبرة أو معرفة منها، وإنما بتوجيهها وإصلاحها.