تزوير أم حقيقة قاسية؟

TT

«كان هذا الصوت الجديد مختلفا عن سواه. كان هادئا رزينا، لكنه كان يطغي على أصوات الغوغاء. وكان ناعما لطيفا لكنه قوي كالحديد الصلب. وكان رقيقا جذابا لكنه مليء بالنذير والوعيد. كان لكل كلمة من كلامه معنى وعزم جبار». هكذا قدم جواهر لال نهرو، في رسالة من سجنه، المهاتما غاندي إلى ابنته أنديرا، التي سوف تخلفه ذات يوم في زعامة الهند.

كان عنوان الرسالة «الهند تسير وراء غاندي»، الرجل الذي حرر 300 مليون هندي من بضعة آلاف مستعمر بريطاني. لم يدخل غاندي فقط تاريخ الهند، بل تاريخ الحريات في العالم. أسقط الاستعمار البريطاني بالمقاومة السلمية، بعدما جاء من جنوب أفريقيا ليقود حملة الاستقلال، ثم استخدم السلاح نفسه نيلسون مانديلا (في بلد المنشأ) ليدخل التاريخ أميرا من أمراء الحرية.

الآن الهند غاضبة بسبب كتاب جوزيف ليليفلد «الروح العظيمة.. غاندي وصراعه من أجل الهند»، الذي يقول مؤلفه إن غاندي طلق زوجته عام 1908، قبل ذهابه إلى الهند، من أجل رجل ألماني. وينشر المؤلف الرسائل التي ظل غاندي يبعث بها من الهند إلى المهندس الألماني هيرمان كالن باخ.

لا يكتفي ليليفلد بإغراق غاندي في الشبهات الشخصية وتشويه صورته كإنسان، بل يذهب إلى القول إنه كان يتبع سياسة خرقاء أدت إلى تأخير استقلال الهند سنوات عدة. ويروي أنه كان مخادعا، يدعي نصرة العمال ويسيء معاملتهم، ويدعي التقرب من المسلمين ويضمر غير ذلك.

أيضا لا يتوقف تشويه السمعة هنا.. فحسب الكتاب الجديد، كان غاندي عنصريا أيضا، يتعالى على الأفارقة، ويعتبر أن الهنود والبيض من عرق صاف. والرجل الذي طالما نادى بالإنسانية كان قاسيا وفظا مع الأفراد. لكن الكاتب الذي يتهم غاندي بالشذوذ لا يلبث أن يبلغنا بأنه كان محاطا بالنساء، ويهين ابنة شقيقه التي كانت في السابعة عشرة من العمر، وكانت تلقى منه صنوف العذاب وسوء المعاملة. وكان نزقا ومزاجيا. وفي إحدى المراحل تخلى عن الكفاح فيما كان 15 ألف رجل من أتباعه يقبعون في سجون البريطانيين.

ويسخف ليليفلد حركة اللاعنف الأميركية التي تزعمها مارتن لوثر كينغ لأنها قلدت الغاندية في حملتها من أجل الحقوق المدنية. ولا ينتبه إلى تفصيل بسيط، وهو أن الحركة أوصلت أفريقيا إلى البيت الأبيض، بعد أربعين عاما من مقتل زعيمها.