غموض الإمبريالية الإنسانية

TT

قبل عدة أسابيع، حينما أكد الرئيس أوباما لزعماء الكونغرس أن تدخل أميركا في ليبيا سيستغرق «أياما، وليس أسابيع»، ساورت متشككين على نحو خاطئ مخاوف بشأن التقدم البطيء للمهمة العسكرية. وكان من المفترض أن تساورهم مخاوف بشأن التنفيذ السريع للمهمة، أو ربما عدم وضوح معالمها. وعند هذه المرحلة، فيما يتعلق بالأحداث السيئة التي تبتلى بها السياسة الخارجية، يتمثل السؤال المعتاد في: ما هي الخطة البديلة؟ والسؤال اليوم هو: ما هي الخطة الأولى؟ حينما أدخل أوباما أميركا فيما كان يعتبر، ومن الواضح أنه لا يزال، حربا وقائية لحماية المدنيين الليبيين من حكومة ليبيا، تجاهل توضيح بعض الأشياء، مثل: هل لا يزال ينظر إلى الثوار المسلحين الذين يحاولون الإطاحة بتلك الحكومة على أنهم مدنيون؟

لكن، يعتبر ذلك غير ذي صلة إذا كان الافتراض القائم هو أنه ليس هناك ليبي آمن ما دام معمر القذافي يتولى السلطة. وفي هذه الحالة، يكون تغيير النظام ضرورة منطقية تقتضيها الإمبريالية الإنسانية.

هل لاحظت كم عدد طلبات شغل وظائف بالخدمات العسكرية الأميركية على شاشة التلفزيون وفي الإعلانات في المطارات وغيرها من الأماكن الأخرى، التي تظهر أن هذه الخدمات مشاركة في عمليات إغاثة إنسانية وتوزيع أطعمة وأدوية؟ مثل هذه العمليات تظهر الجيش الأميركي وكأنه مثل مؤسسة الصليب الأحمر مزود بالأسلحة، لأسباب غير واضحة.

ونظرا لأن بعض الخدمات أحيانا ما تتردد في تجنيد أشخاص في مهمتهم الأساسية - بهدف المحافظة على قدرة محل ثقة على خوض حروب - فليس من الغريب بدرجة كبيرة أن تحجم إدارة أوباما عن كلمة «حرب».

لقد تراجعت الإدارة عن «الإجراء العسكري النشط» قصير الأجل والمسبب لحالة من البلبلة الشديدة، الذي من المفترض أنه وصف ما كانت تفعله؛ كل ما كانت تفعله، تلك السفن الحربية المدرعة والطائرات الحربية بكل تلك الذخائر والعتاد الحربي. وقد أثبت ذلك صحة فرضية جورج أورويل (في المقال الذي نشره في عام 1946 تحت عنوان «السياسات واللغة الإنجليزية»)، ألا وهي أن «العدو الأكبر للغة الواضحة هو الرياء».

والآن، على الإدارة الأميركية تحديد صفة هؤلاء الذين ذهبنا للحرب نيابة عنه. إنهم ثوار، وأميركا، تلك الدولة التي ولدت من ثورة ولديها نزعة شك في السلطة متأصلة في ثقافتها، تميل إلى النظر بود وشفقة للثوار.

وقد كان ذلك واضحا على وجه الخصوص أثناء الستينات من القرن الماضي، ولا سيما في حرم الجامعات. وفي أحدها، (أنتيوتش)، احتشد الطلاب الذين يملأهم الحماس وتعوزهم في الوقت نفسه المعلومات، لمشاهدة الفيلم الوثائقي «الموت في مدريد»، الذي يتناول الحرب الأهلية الإسبانية. وحينما تحدث الراوي عن طابور من الجنود، أخذ الطلاب يهتفون قائلين: «تقدم الثوار نحو مدريد»، غير مدركين إلى أن الثوار هم الفاشيون، أنصار الجنرال فرانكو.

وليس جميع الثوار محبوبين، لذلك عندما ذكرت الإدارة أنه لن يكون هناك جنود أميركيون على أرض ليبيا، تركت مساحة للعاملين في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. ومن الواضح أن البعض الآن من بين المتمردين، ممن يتحدثون بلهجة ريتشارد رودجرز وأوسكار هامرشتاين: «معرفتي لك تعني معرفة كل شيء عنك. وحبي لك يعني الأمل في أن تحبني».

ربما كان من اللازم أن يبقى العاملون في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في أرض الوطن، ويتحدثوا إلى بعض أعضاء مجلس الشيوخ ممن يبدو أنهم يعرفون حقيقة الأمور. ويشير السيناتور جون كيري (الديمقراطي من ولاية ماساتشوستس) إلى الثوار الليبيين بوصفهم جزءا من «حركة مؤيدة للديمقراطية». ربما يكونون كذلك بالفعل. ولا شك في أن السيناتور ليندساي غراهام (الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا) يفكر على هذا النحو. إن الخدمة العسكرية، في المعتاد، مثل سانشو بانزا الشخصية الخيالية في رواية «دون كيشوت» بالنسبة للسيناتور جون ماكين، الذي يلعب دور «دون كيشوت»، وأشار غراهام يوم الأحد الماضي (في برنامج «فيس ذا نيشن»)، قائلا: «يجب أن نتوجه للقتال في طرابلس».

ولكن ليس الأمر كذلك (بعد) بالنسبة لياموسوكرو، عاصمة ساحل العاج. يؤيد أعضاء لجنة تحرير ليبيا التابعة للكونغرس - التي لم تتشكل رسميا بعد - بشكل افتراضي مبدأ «مسؤولية الحماية». وترتبط هذه الفكرة بشكل رئيسي بمبدأ الإمبريالية الإنسانية، وهو مشروع يقدم بكل تأكيد وعودا بالعمل بثبات لتحقيق هذا المبدأ.

وتتزامن المغامرة في ليبيا مع الكارثة الإنسانية في ساحل العاج، حيث تتكوم الجثث بالمئات، ويتسبب القتال في تشريد مئات الآلاف من الأفراد. وسيكون عليهم اللجوء إلى المتدخلين الفرنسيين والتابعين للأمم المتحدة إلى أن يتمكن أصحاب مبدأ الإمبريالية الإنسانية في أميركا من تحين الوقت المناسب ومد يد العون لهم.

لقد أدى عجز أوباما، أو إحجامه، عن التعبير بوضوح عن سبب تدخلنا في ليبيا، أو تحت أي شروط يمكن القول إن مهمتنا قد تم إنجازها، إلى مقارنة الوضع بما حدث في العراق.

وتتمثل مقارنة مضادة تماما في مقارنة هذا الوضع بغزو جيمي كارتر لإيران - الدولة الذي تبلغ مساحتها ضعف مساحة فرنسا - بثماني طائرات هليكوبتر. وقد بات هذا رمزا لرئيس متخبط يحاول تخطي حدود قدراته أو درجة ذكائه.

وحينما كان كالفين كوليدج، الذي يدرك قدراته، ينهي فترة رئاسته في مارس (آذار) 1929، قال: «ربما كان أحد أهم إنجازات إدارتي هو الاهتمام الشديد بشؤون الإدارة». وقبل أن يتسنى لأي إدارة القيام بذلك، يجب أن تحدد مسؤولياتها وقدراتها بتواضع يكفل لها الاعتراف بأن بعض الأشياء لا تدخل ضمن نطاق اختصاصها.

* خدمة «واشنطن بوست»