عفوا نبيل العربي: إنها قفزة في الهواء

TT

يتمتع الدكتور نبيل العربي وزير الخارجية المصري بخبرة وكفاءة سياسية ودبلوماسية واسعة لا يمكن التشكيك فيها، وهو أمر انعكس بوضوح في الترحيب الكبير الذي قوبل به تعيينه وزيرا للخارجية، إلا أن ذلك لا يعني مطلقا أن اختياره وزيرا للخارجية كان شيكا على بياض للتصرف في السياسة الخارجية المصرية، بما يتوافق ورؤيته السياسية أو موقفه من النظام السابق، ليس لأن السياسة الخارجية للنظام السابق غير قابلة للمراجعة، ولكن لأن مهمة وزارته، بل والحكومة الحالية، ليست إحداث تغييرات جوهرية ترقى لمرحلة الانقلاب أو الثورة على ما كان في السياسة الخارجية، فلا يمكن، ولا ينبغي، أن تتم مراجعة السياسة الخارجية تحت ضغط الحالة الثورية، وللمفارقة فإن قضايا السياسة الخارجية، خاصة العلاقة مع إيران، لم تكن مطروحة على أجندة الثورة والثوار. وإذا كان ذلك كذلك فيبدو منطقيا، وربما واجبا، التساؤل عن مغزى تصريحات الدكتور نبيل العربي في نهاية مارس (آذار) الماضي بشأن العلاقة مع إيران، التي عبر فيها عن رغبة مصر في استئناف العلاقة مع إيران، باعتبارها ليست دولة معادية لمصر. وبداية فإن طرح هذا التساؤل لا يفترض مطلقا أن إيران دولة غير مهمة أو أن العلاقة معها لن تكون مفيدة لمصر، فإيران تظل واحدة من أهم القوى الإقليمية، التي يجب إعادة النظر في العلاقة معها من منظور، وفقط من منظور، المصلحة الوطنية المصرية.

ومع الاعتراف بأهمية إيران الاستراتيجية إقليميا ودوليا، فإن محاولة إعادة النظر في العلاقة معها يجب أن تكون على قدر تلك الأهمية، بمعنى إجراء حساب دقيق لتداعيات تلك المراجعة على مجمل العلاقات المصرية الإقليمية والدولية. فإيران متداخلة بشكل أو بآخر في كثير من الملفات التي تندرج في صميم الأمن القومي المصري والمصلحة المصرية. وعلى المستوى الإقليمي خاصة في المرحلة الراهنة، ثمة موقف غير محمود بالمرة من إيران تجاه دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وهي دول تربطها بمصر علاقات أهم وأكبر من اتخاذ إجراء قد يؤدي إلى إحداث بعض التوتر، خاصة في ظل الظروف غير المواتية التي تمر بها مصر في أعقاب ثورة 25 يناير. والحديث هنا وبشكل مباشر يرتبط بالعلاقات الاقتصادية والاستثمارات التي تعد الشغل الشاغل لمصر حاليا، أو على الأقل يجب أن تكون كذلك، دونما تقليل من أهمية العلاقات السياسية مع تلك الدول وأواصر العروبة والعلاقة التاريخية معها. ومن ناحية أخرى، فمن المؤكد أن إعادة العلاقة مع إيران ستلقي بظل كثيف على الموقف المصري من عملية التسوية السلمية للصراع العربي، سواء من جهة العلاقة مع إسرائيل أو من جهة العلاقة مع الطرف الفلسطيني بجناحيه فتح وحماس التي ستصنف مثل هذا التصرف من جانب مصر باعتباره يصب في مصلحتها في مواجهة فتح، الأمر الذي من شأنه أن يطرح إعادة ترتيب أوراق الملف بكاملها والسياسة المتبعة لتسوية القضية الفلسطينية. بتعبير آخر، فإن إعادة العلاقة مع إيران ستمثل عبئا سياسيا واقتصاديا على مصر، في الوقت الذي ستمثل إضافة سياسية لإيران وموقفها في المنطقة وقضاياها الأساسية مثل الصراع العربي الإسرائيلي والعراق وأمن الخليج، والأهم من ذلك أن إعادة العلاقة مع إيران ستمثل بلا شك تدعيما لوجهة النظر الإيرانية في ترتيب الأدوار والعلاقات في المنطقة برمتها. ومن المؤكد أن الالتقاء بين إيران الثورية ومصر ما بعد الثورة سيقلق كثيرا من القوى الإقليمية بالشكل الذي لا يمكن له أن يخدم المصالح المصرية العليا. وعلى المستوى الدولي فإن إعادة مصر لعلاقاتها مع إيران في وقت تتوتر فيه علاقات الدول الغربية بإيران على خلفية موقفها في موضوع الملف النووي ومحاولات تلك الدول للتعامل معها بالاحتواء أو العقوبات لا يمكن أن يمر مرور الكرام على هذه الدول، خاصة الولايات المتحدة الأميركية التي لا يمكن التشكيك في أهمية العلاقة معها بالنسبة لمصر. وجدير بالذكر هنا أن الدكتور نبيل العربي لم يتبع، أو هكذا يبدو، ما نادى به قبل أيام من تعيينه وزيرا للخارجية، إذ أكد في مقال له بجريدة «الشروق» في التاسع عشر من فبراير (شباط) الماضي أنه «لم تكن سياسة مصر الخارجية في السنوات الأخيرة تعالج بأسلوب علمي عصري يؤدى إلى اتخاذ القرارات بعد دراسة متأنية لجميع أبعاد المسائل المطروحة بواسطة خبراء متخصصين. وكانت لا تعدو أن تكون ردود أفعال للأحداث وكانت القرارات تتخذ بأسلوب فردي وقد يكون أيضا أحيانا عشوائيا يتم بدون الدراسة المطلوبة». وأضاف: «أتمنى أن تقرر الدولة إنشاء مجلس أمن قومي دائم يشرف على اتخاذ القرارات التي تتعلق بالسياسة الخارجية».

فهل قررت مصر، أو بالأحرى الدكتور نبيل العربي، في ظل غياب الدراسة العلمية المتأنية ومجلس الأمن القومي الذي نادى به، المخاطرة بعلاقات مصر الدافئة، مقابل استئناف العلاقة مع إيران؟ والإجابة الأولية هنا هي نعم. في ضوء تصريح وزير الخارجية ورد إيران واستقبال وزير الخارجية لمسؤول رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة. ورغم أن هذه الإجابة هي الأقرب إلى المنطق، فإن الإجابة بـ«لا» تظل واردة أيضا على اعتبار أن يكون تصريح وزير الخارجية قد قصد منه أن يكون بالون اختبار أولا وأنه ورقة ضغط بشكل أو بآخر على بعض القوى لتفعيل دعمها لمصر بشكل أكبر مما هو عليه، أو طرح ورقة إعادة العلاقة مع إيران على طاولة التفاوض مع تلك الدول. والحقيقة أنه أيا كانت الإجابة فإن النتيجة المتوقعة، على الأقل من وجهة نظري، هي توتير العلاقات مع كثير من الدول الصديقة انتظارا لصداقة دولة لا يعرف أحد على وجه اليقين الشكل الذي يمكن أن تأخذه تلك الصداقة ولا متى يمكن أن تتحقق بالشكل الذي يخدم المصلحة المصرية. وهو الأمر الذي يدفع إلى القول أن تصريح الدكتور نبيل العربي بشأن إيران ليس ثورة كما قالت جريدة «أخبار اليوم» المصرية أو نصف ثورة كما وصفها الأستاذ سليمان جودة في مقاله بجريدة «الشرق الأوسط» في الرابع من أبريل (نيسان) الحالي، ولكنه قفزة كبيرة في الهواء ربما تكلف صاحبها أكثر مما تجلب له من منافع. وفي كل الأحوال، فلعله لن يكون من المبالغة في شيء القول إن الطريق الآمن لحمل مصر سالمة سياسيا واقتصاديا إلى المرحلة المقبلة لا يمكن له أن يمر عبر طهران.

* خبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في «الأهرام»