هدف واحد

TT

الغلاء هو ظاهرة عالمية لها أسبابها ولها ظروفها، والمواد الغذائية تحديدا طالها ارتفاع الأسعار نتاج زيادة الطلب وانحسار المساحات الزراعية بسبب الامتداد السكاني للمناطق الزراعية والهبوط الحاد في منسوب المياه المتاح للري نتاج التغيرات المناخية الحادة التي أصابت العالم بشكل قاس أو بسبب رعونة استهلاك المياه كنتاج لسياسات زراعية غير واضحة الجدوى.

ومؤخرا تسببت الدول الصناعية الكبرى والولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص في تفاقم المشكلة إذ إنها بسبب نهمها الهائل لاستهلاك الطاقة في سياراتها وطائراتها ومصانعها وغيرها باتت تبحث عن كل طريقة ممكنة للإقلال من الاعتماد على النفط التقليدي وبالتالي توجهت إلى استخراج الزيوت من الحبوب التي تصلح للاستخدام كبديل للبنزين في تمويل السيارات بالوقود، وطبعا أدى هذا إلى ارتفاع جنوني في الأسعار وانعكس هذا بالتدريج على سلع أخرى أولية مثل الخشب والحديد والمعادن مع عدم إغفال الارتفاع الكبير المتواصل في أسعار النفط نفسها كل ذلك يسمى باللغة الاقتصادية المبسطة والمباشرة «تضخما».

ومسؤولية إظهار حقيقة هذه الظاهرة تقع لدى الجهات المالية الرسمية في الحكومات لإظهارها بالنسبة والقياس وتقديم ظواهرها وأسبابها بدلا من المبالغة في إخفائها وتبسيطها وكأن المسألة عار أو عيب مخجل يجب عدم البوح به وبالتالي تضيع فرصة المكاشفة الصريحة هذه بأن يكون الطرح شفافا فتتحول الدفة بيسر وسهولة إلى الوجه القبيح لـ«الغلاء» وليس لـ«التضخم» وهم التجار.

فبدلا من أن يرجع السبب في ارتفاع الأسعار لأسباب عالمية وظواهر اقتصادية تنعكس على أسعار السلع فتسبب التضخم، يتم «ترجمة» هذه الظاهرة بأنها غلاء مبالغ فيه واستغلال وجشع من التجار فيصبحون بالتالي وسيلة مريحة لتوجيه الغضب العام عليهم متناسين أن التاجر ما هو إلا شريك أساسي وبديهي في المنظومة الاقتصادية الوطنية.

ورغم أن هناك تقصيرا واضحا في الكشف عن وإظهار وشرح أسباب ظاهرة التضخم العالمية ومحاولة تخفيفها باستمرار فلا يمكن منطقيا قبول أن يتحمل تبعتها كلها القطاع التجاري من رجال الأعمال. مع الإقرار والاعتراف بأن هناك قصورا واستغلالا من بعض التجار لتحقيق أرباح خيالية، ولكن في السوق المفتوحة يكون الاختيار للسلع الأخرى المقدمة من أطراف وتجار آخرين غير خاضعين لهيمنة الاحتكار أو النادي المغلق لأعضاء بعينهم سواء أكان ذلك يخص سلعة مستوردة كالغذاء أو الحديد أو خدمات حيوية مثل المصارف على سبيل المثال.

بناء الأمم هو شراكة تفاعلية وسوية بين القطاعات المختلفة فيها، ومنح المناخ المناسب ليكون كل طرف شريكا حقيقيا قادرا على أن يكون مبدعا وجديرا بأداء دوره المنوط به دون تحميله مسؤولية مسبقة أو فاتورة معدة سلفا واجبة السداد. كل طرف منوط بمسؤولياته وأدواره والأدوار تقتضي تحمل مسؤولية وأمانة الإدلاء بالمعلومات كاملة لأن المعرفة قوة والجهل ظلام.

وضعية التضخم مرشحة لأن تستمر ولفترة طويلة وذلك لأن أسبابها الأساسية لا تزال قائمة ومتواصلة والاعتقاد بأن الأسباب هي غير ذلك ليس بدقيق. لا يمكن من جهة محاولة إدراج الاقتصاديات العربية في منظومة العولمة وإتباعها للمعايير والمقاييس والنظم والقوانين المصاحبة لذلك ومن جهة أخرى محاولة «التنصل» من بعض الظواهر الاقتصادية العالمية التي تحصل وتؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد ولها آثارها التي لا يمكن إنكارها، هذا يكون اسمه تناقضا مكشوفا لا يمكن فهمه.

القدرة على قبول المتغيرات ومواجهتها بالوضوح والشفافية ووضع السياسات السليمة بالمشاركة مع فعاليات المجتمع كافة دون التقليل من الأطراف الأخرى ولا التشكيك في نياتها أو التخوين في توجهاتها هو صمام الأمان والكفيل بوحدة التوجهات وإبقائها في مركب واحد لغاية نبيلة هدفها الصالح العام الوطني.

[email protected]