شريط مبارك.. والجناح الغربي

TT

يبدو أن بعض الرؤساء العرب، الحاليين منهم والسابقين، لا أحد يستطيع نصحهم عند التعامل مع الرأي العام، وخصوصا إلقاء الخطب والكلمات، فالمسألة يبدو وكأنها تتم على طريقة «هات المايكروفون»، فلا أحد يجرؤ على قول شيء من المستشارين.

آخر هذه الحالات وضوحا التسجيل الصوتي للرئيس المصري المتنحي حسني مبارك، والذي بثته «العربية». فهذا التسجيل كان خطأ فادحا من قبل مبارك بكل المقاييس، وأول خطأ فيه، ان الرئيس ممتعض مما يتعرض له، لكن التسجيل الصوتي أظهره وكأنه صدام حسين وهو يبث خطاباته المسجلة في آخر ايامه. أما على مستوى مصر، وهذا الاهم، فإن حجم التأثير السلبي الذي خلفه التسجيل كان كبيرا، ولا تزال تداعياته قابلة للزيادة!

كان بمقدور مبارك ان يتصرف بشكل مدني وحضاري حيث يقوم بإصدار بيان رسمي من خلال محاميه، او متحدث باسمه، يرسل لوسائل الاعلام، ويوضح فيه موقفه دون التحدث بلغة الرئيس لشعبه. ففي حالة مبارك ومصر الآن ليس للعاطفة مكان، فليس في السياسة مشاعر، والغريب أن مبارك، وفي فترة حكمه، كان يقول تعليقا على ما تكتبه صحافة المعارضة «كبر دماغك» فلماذا استفز اليوم، فهذا نقد شهرين، مقابل مدح ثلاثين عاما؟ كان الاولى، وطالما انه يحز بنفس الرئيس ما يقال بحقه وحق اسرته، كما يقول، ان يعكف على تسجيل مذكراته، للرد على ما يقال بحقه لتبقى للتاريخ، فلديه فرصة لم تتسن لعبد الناصر والسادات، وذلك بدلا من التسجيل الصوتي وخلافه.

والحق أن إشكاليات الخطابات العربية ليست حصرا في مبارك وحده، فيكفي تأمل خطابات جل الرؤساء العرب الذين تواجه دولهم ازمات الآن، لكي نرى الارتجال، والتكرار، والتناقض، والاخطاء الفادحة، والاستفزاز، واكثر، كما هو الحال في خطابات بن علي في ازمة تونس، وخطابات مبارك بثورة مصر، وخطاب الرئيس الاسد الاخير، وخطابات الرئيس اليمني، وما اكثرها، وبالطبع خطابات القذافي وابنه سيف الاسلام، وهذه قصة بحد ذاتها.

وعليه فإن النصيحة للرؤساء العرب، والرؤساء تحديدا لأنهم اصحاب هذه المشكلة في تردي الخطاب، ومستشاريهم بالطبع، ان يشاهدوا مسلسلا اميركيا شهيرا، هناك نسخة مترجمة منه، اسمه (ويست وينغ) او الجناح الغربي، ملخصه انه يشرح العلاقة بين افراد طاقم الرئيس في البيت الابيض والاعلام الاميركي، وبالطبع الخارجية والكونغرس وغيرهما. في (الجناح الغربي) نجد ان خطاب الرئيس، او تصريحاته، تستغرق عدة حلقات من المسلسل حيث نشاهد كيف توضع نقاط الخطاب التي يرغب الرئيس التحدث بها من قبل المستشارين، ثم تعرض على الرئيس ليقرها، فترسل لكاتب الخطابات، الذي يصيغها ثم تعود لفريق الرئيس، لتتحول الى فريق المحامين، ثم تعود للرئيس ليعدل فيها، ثم تأخذ نفس الدورة، الى ان تقر، وحينها يبدأ الرئيس قراءتها والتدرب عليها، وحتى في حال التصريحات فتوضع للرئيس مجموعة اسئلة، تعد الأصعب، وتصاغ له الاجابات، القانونية بالطبع، ويبدأ بالتدرب عليها، فلا مجال لعنصر المفاجأة. كل ذلك يحدث لان كلمة الرئيس كلمة دولة، وسياساتها.

اما في منطقتنا فهناك خطابات يستمع لها الشعب، وخطابات يكتفي بالفرجة عليها، والفرق كبير!

[email protected]