السلوك اللصوصي السياسي

TT

صحيفة «الغارديان» من الصحف الرئيسية البريطانية المتخصصة في الكشف عن فضائح سرقات الساسة ورجال الدولة وفسادهم. مثلما تخصصت صحيفة «النيوز أوف ذي ورلد» في الكشف عن فضائحهم الجنسية، تخصصت «الغارديان» في الكشف عن فضائحهم المالية. بيد أن هناك الآن منظمة عالمية ألفت أنظار الحرامية العرب وأحذرهم منها، جعلت الكشف عن هذه السرقات والفضائح مهمتها الأساسية، وتعرف باسم «الشاهد العولمي» Global Witness.

وكانت صحيفة «الغارديان» هي السباقة في الكشف عن أموال حسني مبارك وزين العابدين بن علي وأسرتيهما المودعة في الخارج. اعقبت ذلك بالكشف عن أموال القذافي. من آخر ما كشفته في هذا الصدد محاولته، أو بالأحرى محاولة وكلائه في أوروبا، تهريب ثلاثة مليارات باوند في أواخر فبراير (شباط) الماضي إلى أحد بيوتات المال السرية في ميفير بلندن. اكتشفت أمرها المخابرات البريطانية واستحصلت على إرادة ملكية من الملكة إليزابيث بحجز المبلغ.

تذكرنا هذه القصة بالطرق اللصوصية التي يتبعها هؤلاء السادة، رؤساء حكومات ورؤساء دول في تهريب سرقاتهم ونقلها والتصرف فيها على نحو ما يفعل تماما المجرمون المحترفون من تجار المخدرات والدعارة والإرهاب وكبار اللصوص. إنهم على مستوى واحد معهم ويدير أموالهم نفس الوكلاء الخبراء في تبييض الأموال الحرام.

بالطبع الساسة الحرامية العرب ليسوا وحيدين في هذا النشاط. يشاركهم في ذلك شتى الساسة من العالم الثالث. فمن الفضائح التي كشفت عنها «الغارديان» أيضا في نفس الأسبوع حكاية تيودورو أوبيانغ، الابن الأكبر اللعوب لرئيس جمهورية غينيا الاستوائية. تعاقد مع شركة لبناء ثاني أكبر يخت مترف في العالم بعد يخت ابروموفيش (بكلفة 1.2 مليار دولار) الذي هجر بلده روسيا إلى بريطانيا محملا بالمليارات التي جناها في لمحة بصر من عمليات الخصخصة الروسية. اليخت الذي سيبنونه لهذا الولد النسوانجي تيودورو سيكلف 380 مليون دولار. تقول مؤسسة «الشاهد العولمي» المتخصصة في الكشف عن هذه الفضائح، إن هذا المبلغ يساوي ثلاثة أضعاف ما خصصه والده لميزانية الصحة والتعليم لبلاده التي يموت 20 في المائة من أطفالها قبل بلوغ الخامسة من عمرهم. ولا يتجاوز معدل عمر المواطن فيها الأربعينات. لم أطلع بعد على مجموع ما سرقه والده من ثروات بلاده وهربها إلى أوروبا.. ولكن ابنه يملك فيها فيلا راقية وأسطولا من السيارات الفارهة وطائرة «جت دي لوكس».

ويلومني القوم ويخونونني كلما قلت إن هذه الدول يجب أن توضع تحت وصاية دولية. فمهما أخذ الاستعمار من ثروات هذه الدول، فإنه أقل ضررا من السرقات والجرائم التي يرتكبها حكامها الوطنيون باسم العزة والكرامة الوطنية. وبالمناسبة، كنت قد أشرت إلى مبارك وقلت إنه كان بإمكانه أن يحافظ على مركزه وكرامته لو أنه اعتذر للشعب المصري وأعاد الأموال المسلوبة إليه. قلت الاعتذار عن الخطأ ليس من شيمتنا. بيد أن الأرتيست المغنية فرتادو أحيت حفلة خاصة لأسرة القذافي بأجرة مليون دولار. سمعت الآن عن فضائحه. اعتذرت عن قيامها بتلك الحفلة وأعطت المليون دولار للجمعيات الخيرية. هل سيتعلم بعض ساستنا شيئا من شيم هذه الأرتيست؟