لعبة أحمد الجلبي المسلية

TT

منذ أسابيع وأنا أمارس لعبة تسمى Puzzle، وهي لعبة مسلية يتم فيها بعثرة أجزاء الصورة ثم إعادة تركيب القطع لتكتمل الصورة الصحيحة في نهاية اللعبة.

قطع البزل في لعبتي كانت تصريحات السياسيين، لأنها تبدو مبعثرة وليست في مكانها الصحيح، وقد بذلت مجهودا هينا لأعيد كل تصريح إلى مكانه المفترض أن يكون فيه.

خذوا مثلا هذه الصورة المبعثرة؛ العراقي أحمد الجلبي، السياسي العراقي البرغماتي، أطلق تصريحا يندد فيه بدخول قوات درع الجزيرة لمملكة البحرين، رغم أنه دخول مشروع قانونا، ولا يشابه دخول قوات الاحتلال الأميركية للعراق عام 2003 بمباركة من بعض العراقيين على رأسهم أحمد الجلبي مؤلف القصة الخيالية لامتلاك صدام حسين للأسلحة النووية، وعراب فكرة تفكيك الجيش العراقي واجتثاث البعثيين التي باعدت بين العراقيين لمسافات تجاوزت بكيلومترات مسافات البعد أيام صدام حسين.

ظروف وأسباب دخول درع الجزيرة للبحرين لا تشبه دخول القوات الأميركية للعراق، فالأولى قوات لحفظ الأمن والمنشآت وليست للاحتلال، فضلا عن دخولها بطلب من رب البيت وليس قفزا من السور الخلفي. كما أنها بالتأكيد لا تشبه اقتحام ميليشيات إيران للعراق والتي استقبلها الجلبي بالزغاريد وهي جاءت غازية تستهدف حياة العراقيين وأمنهم وقوميتهم.

الجلبي رتب لعقد مؤتمر في بغداد تشارك فيه أطراف من المعارضة البحرينية ولبنان والعراق لدراسة الوضع في البحرين (بعمق)، لأنه يرى أن للبحرينيين، ويعني الشيعة تحديدا، مطالب مشروعة من حقهم الحصول عليها. وكأن البحرين أرض مهجر متنازع عليها لا دولة بحكومة وسيادة وعضو في منظمات دولية.

لا أزال أحاول أن أضع قطعة التصريح في محلها لتكتمل الصورة.

خلال شهرين مضيا، خرجت مظاهرات في عموم المحافظات العراقية تطالب الحكومة بتوفير مقومات الحياة الكريمة ومحاربة الفساد ونبذ الطائفية. هذه الألوف المؤلفة من الجماهير العراقية هي الأولى أن تعقد من أجلها المؤتمرات وتدرس احتياجاتها (بعمق)، هذه الحشود التي يعيش نصفها تحت خط الفقر من حقها أن يلتف حول احتياجاتها الساسة العراقيون بدلا من اهتمامهم بأبناء الجيران. العراقيون تظاهروا غاضبين وهم في أجواء فصل الربيع فما عسى الحكومة فاعلة إن حل فصل الصيف ولم تستطع توفير الكهرباء الذي أصبح مثل لبن العصفور يسمع عنه المواطن العراقي ولا «يشوفه».

وإن كان لا بد من الاهتمام بأولاد الجيران من الشيعة، فما تفسير الجلبي للمجزرة التي وقعت قبل أيام في معسكر أشرف، الذي تسكنه عائلات أعضاء منظمة مجاهدين خلق المعارضة الإيرانية؟

ضحايا المجزرة أكثر من 30 فردا ما بين رجال ونساء، ومئات الجرحى بعضهم ذهب دهسا تحت عجلات الجرافات والعربات العسكرية، والبقية قتلوا بفعل الرصاص الحي. الحكومة العراقية بررت هذا العنف بأن أبناء المعسكر رفضوا استرجاع الحكومة لقطع من الأراضي يقال إنها لمزارعين. هذه الذريعة الواهية لا تبرر المجازر، ولا سفك الدماء، ولكنها رسالة أخرى للحكومة الأميركية بفداحة أخطائها في العراق، حينما قررت نزع سلاح المعسكر وتحويله إلى قطيع من الحملان ثم تسليمه للذئاب، دون ضمانات ولا حماية من الأمم المتحدة.

سكوت المنظمات الدولية على هذه الفضيحة الإنسانية صورة أخرى من الصور المبعثرة، فالعنف مباح إن كان من الحرس الثوري الإيراني أو أصدقائهم من العراقيين، أو إن كان عنفا إسرائيليا، فهذه الأطراف الثلاثة مسكوت عن فضائحهم الإنسانية، وما عدا ذلك فهو ضد حقوق الإنسان.

في النهاية، ليس بالضرورة أن يشغل الجلبي نفسه بتأسيس «لجنة شعبية لمساندة الشعب العراقي» كما هي لجنته بخصوص الشعب البحريني، وبالتأكيد ليس من الضرورة أن ينتصر الجلبي لشيعة معسكر أشرف كنصرته لشيعة البحرين المعارضين، فالمعسكر مثل الضرس الذي نخره السوس مؤلم خلعه ومؤلم بقاؤه، لكن على الأقل لا يغمض عينيه، وهو النائب في البرلمان، عن واجباته البرلمانية تجاه العراقيين الذين انتخبوه ويقلق على البحرينيين البعيدين عن دائرة مسؤولياته.

* جامعة الملك سعود