إلغاء سلام كامب ديفيد يعني إعلان الحرب

TT

تحدث الدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد في حوار مع «الأهرام» عن دور حزبه في المرحلة المقبلة واحتمال ترشحه لرئاسة الجمهورية. وبينما قال البدوي إنه لا يزال يفكر في العرض الذي قدمته جماعة «الإخوان المسلمين» للمشاركة في الانتخابات المقبلة بقائمة مشتركة، فقد فاجأ الجميع بموقف لم يكن أحد يتوقعه من رئيس حزب مصر الليبرالي. قال السيد البدوي إنه إذا تولى الرئاسة فسوف يعلن سقوط معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل «في حال عدم قيام دولة فلسطينية» على الأرض التي احتلتها عام 1967 وعاصمتها القدس. (3/ 4/ 2001)

نفهم من هذا أنه لو تم انتخاب البدوي رئيسا للجمهورية فإنه لن يلتزم بمطالب ثورة ميدان التحرير التي شارك هو فيها، وسوف يضع مصير شعب مصر رهنا لقوى الممانعة وقرارات خالد مشعل في دمشق وأحمدي نجاد في طهرن. ومن الواضح أن أهداف ثورة ميدان التحرير انحصرت في الشعارات التي نادت بها، في المطالبة بإسقاط الرئيس حسني مبارك والتخلص من سيطرة الحزب الوطني ووزرائه الذين حققوا ثروات كبيرة نتيجة للفساد، كما طالبت بتحقيق الديمقراطية ورفع مستوى المعيشة للشعب. ثم جاء إعلان المجلس العسكري عن التزام مصر بكافة المعاهدات التي عقدتها في السابق - وعلى رأسها معاهدة السلام مع إسرائيل - ليطمئن الجميع على صدق مطالب الثورة.

أما إلغاء معاهدة السلام فهو يعني بالضرورة إعلان حالة الحرب وتكرار ما حدث في كارثة يونيو (حزيران) 1967، ومغامرات جمال عبد الناصر. فعندما أبلغ الاتحاد السوفياتي ناصر بنية إسرائيل على مهاجمة سورية، أسرع رئيس مصر العسكري بطلب سحب قوات الطوارئ الدولية الموجودة على الحدود بينها وبين إسرائيل، ثم أعلن إغلاق مضيق تيران أمام السفن الإسرائيلية المتجهة إلى ميناء إيلات، واعتبرت إسرائيل هذه الخطوة بمثابة إعلان حرب.

وسرعان ما بدأت المعارك في الخامس من يونيو، عندما قامت إسرائيل بهجوم خاطف على القوات المصرية في سيناء، كما شنت هجوما على الضفة الغربية بفلسطين التي كانت تابعة للأردن واحتلت مرتفعات الجولان السورية وقطاع غزة الذي كان تابعا لمصر. وانتهت الحرب باستيلاء إسرائيل على كامل أرض شبه جزيرة سيناء دون قتال.

تعرض الاقتصاد المصري لخسائر فادحة نتيجة فقدان سيناء وإغلاق قناة السويس وضياع إيراداتها، إلى جانب ضياع نسبة كبيرة من السياحة العالمية. كما تحول الاقتصاد في تلك الفترة إلى اقتصاد حرب لإعادة بناء قدرة الجيش المصري، مما أدى إلى زيادة الضرائب وارتفاع الأسعار وإهمال البنية التحتية وظهور العشوائيات وخرجت الجماهير تهتف «أين الخبز يا سادات؟». استمر الوضع المأساوي إلى أن تمكن الجيش المصري في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 1973 من عبور قناة السويس إلى شبه جزيرة سيناء، وتحطيم خط بارليف الدفاعي الإسرائيلي. ثم قام الرئيس السادات بهجوم سياسي كانت له نتائج مهمة في وضع حد للحلم الصهيوني، حيث لم تعد إسرائيل الآن تطالب بمد حدودها بين النيل والفرات واكتفت بحدود في نطاق الأراضي الفلسطينية. وتمكن الرئيس المصري بعد ذلك بعامين من الوصول إلى اتفاق سلام مع مناحم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي في كامب ديفيد، استرجعت مصر بمقتضاه كامل أراضيها المحتلة.

في ذلك الوقت عرضت مصر على الفلسطينيين الانضمام إلى عملية السلام لإقامة دولتهم المستقلة ولم تكن هناك مستوطنات بعد، لكن ياسر عرفات رفض هذا العرض كما رفض بعد ذلك مقترحات بيل كلينتون في كامب ديفيد الثانية وأضاع فرصتين نادرتين لإقامة دولة فلسطينية. ولا يزال الفلسطينيون حتى الآن يختلفون - ليس فقط على برنامج التفاوض مع إسرائيل - بل حتى على تكوين دولة فلسطينية موحدة على أرض فلسطين. فبعد فوز حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي التي أجريت في يناير (كانون الثاني) 2006، تشكلت حكومة برئاسة إسماعيل هنية، وفي نفس الوقت تم اختيار محمود عباس - الذي ينتمي لحركة فتح - رئيسا منتخبا للسلطة الوطنية الفلسطينية. وسرعان ما نشب الخلاف بين حماس وحكومتها من ناحية والرئيس عباس وحركة فتح من ناحية أخرى، بسبب رفض حماس الاعتراف باتفاقات أوسلو التي وقعتها السلطة ومشروع السلام مع إسرائيل، حيث انضمت حماس إلى دول الممانعة.

ومنذ نحو عامين قامت السلطات المصرية بوضع اتفاق للمصالحة بين فتح وحماس، تمت صياغته بناء على اقتراحات الفصائل الفلسطينية نفسها. ورغم موافقة فتح على توقيع الاتفاق، فقد طلبت حماس في البداية تأجيل توقيعها بضعة أيام - ثم راحت تماطل في التوقيع وتطالب بتعديل الاتفاق نفسه. وتكررت اللقاءات في دمشق بين خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس وعدد من قادة فتح، دون التوافق حتى الآن على عودة غزة إلى حظيرة السلطة الفلسطينية ومواجهة الجانب الإسرائيلي بموقف فلسطيني موحد.

وبعد وصول باراك أوباما إلى رئاسة الولايات المتحدة، دعا الرئيس الأميركي إلى مفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل في سبتمبر (أيلول) 2010، بهدف الاتفاق على إقامة دولة فلسطينية وضمان أمن إسرائيل. وبعد نحو شهر، انسحب الفلسطينيون من المفاوضات طالبين التزام الدولة العبرية بوقف بناء المستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة أولا، فتوقفت المفاوضات ولم يتوقف بناء المستوطنات.

مصر الآن تواجه أخطر تحد لها في تاريخها الحديث الذي يتمثل في الانفجار السكاني وشح المياه والأمن الغذائي، والذي يفوق بكثير خطر القنبلة النووية. هذا هو ما أدركه عصام شرف رئيس الوزارة الانتقالية، عندما قرر بعد بضعة أيام من توليه منصبة زيارة السودان ومحاولة ضمان وصول الماء والغذاء إلى بلاده.

لقد دفعت مصر ثمنا باهظا من رخاء شعبها وأمنه في أربع حروب دخلتها من أجل القضية الفلسطينية، وهي لا تزال تسدد ديونها حتى الآن. في ظل هذه الظروف - هل يريد السيد البدوي رهن مستقبل المصريين بقرارات الممانعة ودخول النفق الذي عاشوا فيه لستة عقود؟