سورية في ورطة..

TT

رغم الضمادات والكدمات الظاهرة في وجهه، لم يتردد مواطن سوري في رواية شهادته عن الضرب الذي تعرض له في مدينة دوما، على يد عناصر أمنية من خارج المدينة، كما يقول، والتي بحسبه شملت ضابطا برتبة عميد لم يسلم هو ومحتجون آخرون من هراوات وعصي تلك المجموعة الأمنية..

شهادة المواطن السوري هذه سجلتها الفضائية السورية، التي وكما قال الرجل إنها لن تسمح ببث روايته. كان الرجل على حق، فهذه الشهادة لم تبث عبر الفضائية السورية، ما خلا المقطع الذي تحدث فيه عن تعرض عميد في الشرطة للضرب، أما باقي الشهادة التي تروي تفاصيل الاعتداء واللكم من قبل عناصر أمنية لأحياء وجثث أموات من الضحايا فقد انتشرت عبر مواقع إلكترونية، بعد أن تمكن محتجون كانوا قرب الرجل وهو يدلي بشهادته من تسجيلها وبثها كاملة بعد أن اختزلتها الفضائية السورية..

يبدو أن التعامل الرسمي الإعلامي السوري قد انزلق عدة مرات خلال الأسبوع المنصرم من الاحتجاجات، فمن إقالة رئيسة صحيفة «تشرين» سميرة المسالمة، بعد تصريحات لها تحمّل فيها القوى الأمنية مسؤولية سقوط ضحايا، إلى الرواية الركيكة للتلفزيون السوري بشأن لقطات قيل إنها لمسلحين مندسين يطلقون النار على المحتجين، وصولا إلى صور مروعة لعناصر أمنية تنكل بجثث ضحايا في الشارع وتضرب محتجين بعنف، والتي بالطبع امتنع الإعلام الرسمي عن بثها أو الاعتراف بها. وهنا يصبح الجدل السوري الرسمي بشأن «المؤامرة» و«المندسين» كلاما فارغا لا معنى له، خصوصا مع انتشار صور فيديو لأولاد تعرضوا لضرب وتعذيب مبرح، فما قصة هذا النظام مع اعتقال وتعذيب الأولاد؟

لم تكن الأحداث الآنفة معزولة، إذ لا يزال النظام السوري يقيّد حرية حركة الإعلام والصحافة في تغطية الحدث السوري الراهن. واستمرار تعمية من هذا النوع تشي كم أن الأنظمة التي من هذا الطراز تزدري الحقائق والوقائع وتمارس الخداع ليس بإخفاء الوقائع الحقيقية فحسب وإنما بمحاولة تزييفها مقرنة ذلك بترهيب الناس لتجبرهم على تقبّل ذلك التزييف وأحيانا الترويج له. هذه الممارسة من شأنها تعطيل القدرة على الحكم الصحيح لأنها تضفي تعتيما على جميع القضايا التي من شأنها أن تخلق وعيا ورأيا عاما فاعلا.

نحن، المتابعين للحدث السوري، نرغب وبصدق أن نميّز بين الموالين للحكومة حبا وطوعا وبين الخاضعين لها بسبب الترويع والتلقين، وهذا لن يتحقق باستمرار المقاربة الرسمية السورية للحدث وبضغطها الأمني الواضح إزاء زاوية محددة للتحليل والرؤية ومنع أي تغطية إعلامية موضوعية لحراك الشارع. وهنا تستمر تلك الوجوه الجامدة التي يطالعنا بها أهل النظام لتبرير قتل متظاهرين وسجنهم في ترديد ذرائع منافية للعقل والأخلاق ومنافية لما نراه..

يوما بعد يوما تزداد جرأة الشارع على النظام رغم قسوته وقمعه الظاهر. وهؤلاء المحتجون قادرون على إيصال أصواتهم رغم محدودية إمكاناتهم. هؤلاء يدركون تماما أن الهيمنة الحاصلة تكبلهم وتجبرهم على توقع مستقبل وحيد هو أنه لن يكون هناك مستقبل إذا استمرت الأمور على هذا الشكل..

diana@ asharqalawsat.com