سرقة القناع الذهبي

TT

إذا كانت سرقة قطع الآثار المصرية تقلقني وتقلق مصر كلها.. ولكن اسمحوا لي أن أقول إنه خلال السنوات السبع الماضية استطعنا إعادة أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية إلى موطنها مصر، بعد أن سرقت وهربت خارج البلاد بأساليب مختلفة.. وقريبا سيصدر لي كتاب يدور حول كل ما يتصل بسرقة الآثار من مصر وتهريبها، وكل القصص سواء تلك المرتبطة بكيفية خروج هذه الآثار من مصر، أو استعادتها مرة أخرى بعد صراعات ومداولات مع الجهات التي ذهبت إليها آثارنا المسروقة..

المهم هنا هو التأكيد على أن ما حدث من سرقات واقتحامات لمناطقنا ومتاحفنا الأثرية في مصر خلال الفترة الصعبة الماضية لن يوقف مشروعنا الطموح الذي بدأناه منذ سنوات لاستعادة تراثنا المنهوب بأي شكل أو بأي وسيلة قانونية تضمن لنا عودة آثارنا.. بل إن ما حدث من سرقات واستغله البعض، خاصة جهات أجنبية ومتاحف لا تزال تحتفظ بآثار مصرية مسروقة، في القيام بحملة على مصر والقول إن الآثار بها غير آمنة، وذلك تشفيا وشماتة وردا على مطالبتنا لهم بعودة آثارنا المسروقة والمنهوبة!

ويأتي الحديث عن قناع «كانفر» مثالا حيا للصراع بين المؤيدين لبقاء تراثنا المنهوب بالخارج وبيننا نحن قطاع عريض من الآثاريين ننادي بعودة الآثار مرة أخرى إلى وطنها الأصلي مصر.. وكان الدكتور زكريا غنيم، رحمه الله، قد كشف عن هذا القناع الجميل عام 1930م، وبعد ذلك تم نقله إلى المتحف المصري بحجة سفره في معرض يقام باليابان، والثابت من السجلات والمحاضر الرسمية وجود هذا القناع في مصر حتى عام 1966م، بل ولدينا صور الكشف عن القناع في منطقة سقارة، والثابت أن هذا القناع قد تمت سرقته أثناء نقله إلى المتحف المصري، حيث إنه لم يصل أبدا إلى المتحف ولم يسجل بسجلاته، لكن يبقى السؤال: من الذي سرق قناع «كانفر»؟ وكيف خرج من مصر؟

ويبدو أنه كانت هناك عصابة دولية منظمة تتولى عملية تهريب الآثار من مصر، وأحد أبرز أعضائها معروف تماما للمباحث الفيدرالية الأميركية والمباحث المصرية، وقد استطاع هذا اللص سرقة الكثير من آثار مصر وكان متورطا بشكل كبير في القضية التي عرفت باسم «سرقة الآثار الكبرى»، وقد قام هذا اللص بسرقة القناع وبيعه لمتحف الفن في سانت لويس، وبمجرد معرفتنا بوجود القناع في هذا المتحف، قمت بإعداد ملف خاص بالأثر المسروق وكل ما يثبت خروجه من مصر بطريقة غير شرعية، وأنه أثر مسجل في سجلات الدولة، وأنه ملك لمصر وتحميه القوانين المصرية والدولية والاتفاقات التي وقعتها مصر، ومنها اتفاقية اليونيسكو في عام 1970م!

وبناء على كل ما تقدم بطلب رسمي إلى إدارة المتحف من أجل استعادة القناع، وبعدها أرسلنا طلبا رسميا إلى الكونغرس الأميركي والسيناتور الخاص بولاية سانت لويس.. وحينما لم نجد ردا إيجابيا قمت بمخاطبة المجتمع المدني بالولاية وتواصلنا مع طلبة المدارس وطلبنا منهم عدم زيارة هذا المتحف؛ لأن به أثرا مصريا مسروقا، ولم نحاول رفع قضية أمام المحاكم الأميركية، نظرا للتكاليف المالية الباهظة التي تهدر في مثل هذا النوع من القضايا للأسف، وتصل إلى ملايين الدولارات، وآثارنا في مصر أحوج ما تكون لهذه الأموال لترميمها والعناية بها..

وبعد تفكير طويل قمت بإرسال الملف إلى إدارة الأمن الداخلي بأميركا، وقد قاموا بعمل سلسلة من الإجراءات للحصول على القناع ورده إلى مصر، ولكن إدارة المتحف سارعت برفع قضية ضد الأمن الداخلي لوقف تسليمه إلى مصر، وادعت إدارة المتحف أن مصر أهدت هذا القناع إلى المرحوم زكريا غنيم، وهو افتراء وكذب وكلام لا يمكن تصديقه..

وقريبا سنقوم بإرسال آثاري مصري إلى أميركا للشهادة في هذه القضية؛ لكي يعود هذا القناع إلى مصر بعد طول غيبة..

وتتواصل قصص الآثار المسروقة.