عقدة الخشية من التغيير!

TT

يحكى أن ملكا كان يحكم إحدى الدول الكبرى، وأراد يوما القيام برحلة برية طويلة. وفي أثناء عودته شعر بآلام شديدة في قدميه، فتورمتا من شدة السير في الطرقات الوعرة. وفور عودته أصدر مرسوما يقضي بتغطية كل شوارع البلاد بالجلد السميك، غير أن أحد مستشاريه أشار عليه برأي أفضل وهو عمل قطعة جلد صغيرة وناعمة لتوضع تحت حذاء الملك وحده، لكي لا يشعر بالآلام أثناء المسير، فاستحسن الملك الفكرة.

مغزى هذه القصة أنه إذا أراد المرء أن يعيش سعيدا في هذا العالم فليس مطلوبا منه تغيير كل ما يجري من حوله، لأنه سيصاب بالإحباط من إخفاقه، بل حري به أن يجري التغيير المطلوب في نفسه أولا، ثم يجتهد ما استطاع لتغيير ما يمكنه في هذا العالم. ولذا قال الزعيم الهندي غاندي «كن أنت التغيير الذي تنشده في هذا العالم».

كثير من الناس لديه عقدة الخشية من التغيير، لذا تراه يؤجل أي قرارات تغييرية في حياته، ويختلق لنفسه أعذارا واهية حتى يبقى على حاله. ويتجنب البعض التغيير لأنه يخشى عواقبه، ولا يعلم أن العبور إلى ضفة أحلامه لا يتأتى إلا بركوب قارب التغيير، أحيانا. وبعض التغيير مثل الاستثمار المرتفع المخاطر مرتفع العائد أيضا. فعندما يغير الشخص مساره الوظيفي بقرار شجاع، قد ينعم لاحقا بدخل مادي مرتفع ووظيفة جديدة ممتعة تفوق سابقتها بمراحل، وذلك لو أنه جرب التغيير.

ولكي يتغلب الإنسان على عقدة التغيير، لا بد أن يعود نفسه على تغيير صغائر أمور حياته، حتى تكون قرارات التغيير الكبرى بالنسبة إليه أكثر قبولا ويسرا. ومن هذه الطرق أن يحاول تغيير عاداته ورياضاته واهتماماته، وصداقاته، وسائر يومياته فلا تبقى أنشطته على وتيرة واحدة. وحتى الطريق الذي يسلكه، والمكان الذي يحبذ الجلوس فيه، والأوقات التي يخرج فيها من المنزل يفضل تغييرها بين حين وآخر حتى لا يتسلل الروتين إلى حياته فيجعله أسيرا له.

وأذكر أنني اقترحت على إحدى الشركات تطبيق فكرة «يوم التغيير» بحيث يجلس كل موظف في مكتب آخر غير مكتبه ويمارس أعماله كالمعتاد من خلال الدخول على حاسوبه. الهدف من هذا النشاط تعويد الموظفين على التغيير والتكيف معه. ربما يكون الأمر غريبا في بداية الأمر لكن الموظفين سيألفونه. أحيانا نحتاج أن نفرض التغيير على البعض فرضا حتى يجربوه، فالتغيير سنة الحياة، والأشخاص الذين يمتازون بالمقدرة على التكيف مع التغيير يكون تعاملهم مع أمور حياتهم أكثر مرونة وانسجاما من غيرهم.

وهناك كتاب جميل وشهير أنصح بقراءته اسمه «من حرك جبنتي؟» Who Moved My Cheese? وهو قصير جدا، على شكل قصة فيها معان رائعة عن فوائد أن يحاول الإنسان تجربة التغيير. ولدي فيديو يشرح الكتاب بالرسوم المتحركة، باللغة العربية، يمكنني إرساله بالإيميل إلى من يريد.

ومثلما الروتين عادة، فإن التغيير أيضا عادة يمكن اكتسابها بالمران المتواصل. فلنبدأ بتغيير أبسط أمور حياتنا حتى نصل إلى أكبرها وأهمها، لنتخلص تدريجيا من «عقدة الخشية من التغيير» التي لطالما حالت دون بلوغ الناس فرصا عظيمة سانحة في حياتهم.

[email protected]