شعرة من جلد كلب

TT

ضجت مواقع الإنترنت قبل أيام بأسماء مرتزقة القذافي، قوائم طويلة من بلدان مختلفة، منها سورية والعراق. اعتبروها فضيحة. كواحد ممن لم يرد اسمهم في هذه القوائم، بل ولم يسبق لنظام القذافي أن دعاني لمأكلة في ليبيا، أعطي لنفسي الحق كرجل مستقل أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع وأدافع عن هؤلاء السادة الذين لا أعرف منهم غير عبد الحسين شعبان.

أسجل أولا هذه الحقيقة، وهي أنني عندما كنت استشاريا في المركز الثقافي العراقي كنت على علم بأن المركز كان يدفع لرهط كبير من المثقفين العرب في لندن (أعتقد 1500 باوند شهريا). هذا أسلوب يتبعه كثير من الأنظمة العربية أملا في مساندتهم لها. ولكنني لا أتذكر أن أيا منهم قد قال أو فعل أي شيء في دعم صدام حسين. ربما كانوا يشترون سكوتهم بهذا المبلغ. وهو ما يذكرني بأحد الكتاب العرب. قيل إن إحدى الحكومات العربية دفعت له مبلغا كبيرا. ولكنه لم يكتب أي شيء عنهم. عاتبوه على ذلك: دفعنا لك كل هذا المبلغ ولم تكتب أي شيء عنا. قال ما تسلمته منكم كان ثمن سكوتي. إذا أردتم أن اكتب مدحا لكم فهذا يتطلب ثمنا آخر أكبر!

الواقع أن الكثير ممن تسلموا من المركز العراقي كانوا أصدقائي وبعضهم كان في أمس الحاجة للقمة عيش. وكنت أنظر لموضوع ما كانوا يتسلمونه من صدام حسين بمثابة شعرة من جلد كلب، كما يقول المثل. فلم يدم صدام في الحكم بسببهم ولا سقط لأنهم لم يدافعوا عنه. وهو ما يذكرني بعادل عوني صاحب جريدة «الحوادث» العراقية إبان الحرب العالمية. اعترف بأنه كان يتسلم راتبا شهريا من السفارة البريطانية. انتقدوه على ذلك فقال، يعني تفتكرون أن هتلر سقط بسبب ما كتبته «الحوادث» العراقية عنه؟

معظم الكتاب والشعراء والعلماء يعيشون عيشة نكراء بسبب انصرافهم لموضوعهم وعدم توجههم لكسب الفلوس. يجب أن نحييهم على ذلك. إنهم عماد الحضارة والتقدم. ما الضير في تسلم شيء ممن بيده الكيس، يقيم أودهم ويساعدهم على مواصلة إنتاجهم، ما داموا يحافظون على استقلاليتهم الفكرية ولم يكرسوا مواهبهم لخدمة الاستبداد والظلم؟ من أين حصلنا على كل هذا التراث الغني لولا مساندة من بيدهم الكيس؟ كيف كتب بتهوفن سيمفونياته الخالدة لولا الراتب الشهري الذي كان يتسلمه من الكونت فلدشتاين؟ أو ننسى كيف كتب المتنبي روائعه الشعرية التي قدر علينا أن ندرسها ونحفظها في المدارس لولا عطايا سيف الدولة، الذي لم يكن بالطبع بطلا من أبطال العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان؟

الحقيقة أنني أسجل إعجابي بالقذافي وصدام حسين وأمثالهما في دفع كل هذه التخصيصات لأناس لا يعرفونهم ودون أن يتوقعوا منهم شيئا. إنهم يفعلون في الواقع ما فعله الأباطرة عبر التاريخ.

ممن تسلموا عطية من القذافي كلية لندن للعلوم الاقتصادية. ثارت بسببها ضجة اضطرت عميدها للاستقالة. منتهى الحماقة في رأيي. هل مد المنظمات الإرهابية أفضل من مد دور العلم؟ أقولها بصراحة: طوبى لأي مؤسسة علمية تحصل على شعرات من جلود الكلاب.