حرب صليبية أم ثورة شعبية؟

TT

الأحداث التي يعيشها عالمنا العربي منذ ثورة تونس مرورا بثورة 25 يناير في مصر وصولا لما يجري في ليبيا واليمن وسورية، هذه الأحداث ساهمت وستساهم بتغيرات جيوسياسية كبيرة في المنطقة العربية من شأنها أن تصنع شرق أوسط جديدا غير ذلك الذي دعت إليه أميركا عقب غزو العراق عام 2003، حيث كانت الرؤية الأميركية لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط قاصرة وبعيدة عن الواقع وأتت بالدمار للمنطقة وربما الشعب العراقي دفع ثمنا كبيرا جدا لهذه التجربة التي لم تفرز سوى أحزاب طائفية قصيرة النظر ابتعدت كثيرا حتى عن الدستور رغم مواطن الخلل الكبيرة به وتحفظ الكثير من المثقفين العراقيين على بعض مواده التي كتبت بسرعة وعجالة كبيرتين.

ونعيش اليوم حالة لم تمر بها الأمة من قبل من حيث الأخطاء الكبيرة التي يرتكبها زعماء العرب وفي مقدمتهم العقيد القذافي الذي وجدناه بعد 2003 يتخلى كليا عن طموحاته العسكرية والنووية ويسلم البرنامج النووي الليبي للتفكيك بعد أن رأى ما وصل إليه حال صدام حسين في العراق، وهو بالتالي تصرف بشكل أعجب الغرب وأميركا وكأنه يقول تفهمت الدرس ولن أكون مشاكسا بعد الآن، وربما أعجب الكثير من العرب الذين كانوا ينظرون للقذافي على أنه مصدر إزعاج بسبب مغامراته الكثيرة، وحقيقة الأمر أن الوقت كان كافيا جدا لأن يتعلم المزيد من الدروس من صدام الذي غزا الكويت عام 1990 وحمل شعبه والمنطقة الكثير من الويلات أهمها بالتأكيد أنه منح أميركا فرصة ذهبية للتواجد في المنطقة بشكل لم يسبق له مثيل، ومن جهة أخرى مكن إيران من أن تكون قوة في المنطقة، وهذه القوة متأتية من إن صدام أنهى بطريقة أو بأخرى الجيش العراقي وحجم دوره وركز فقط على حماية أمنه الشخصي دون أن يفكر بأمن المنطقة، والقذافي اليوم وبعد أعوام طويلة عن تخليه للبرنامج النووي، لم يستثمر السنوات الماضية في تقديم الرفاهية للشعب الليبي رغم المليارات العديدة التي تكتنزها خزائنه، وجميعا شاهدنا ليبيا ومدنها الفقيرة وبنيتها التحتية الضعيفة وخدماتها السيئة، وشاهدنا معاناة الشعب الليبي والمشاريع الوهمية التي طالما تحدث عنها الكتاب الأخضر وإذا بنا نجدها مجرد حجر أساس ليس إلا.

بالتالي نجد اليوم أن القذافي يمنح الغرب (فرنسا وبريطانيا وأميركا وايطاليا) فرصة لأن تعود للمنطقة ولسواحل المتوسط الجنوبية، وقد يتصور البعض بأن القذافي الذي وجهة خطابين صوتيين يؤكد فيهما بأن هجمة (صليبية) تشن على ليبيا دون أن ينسى أن يؤكد على أن (يرى النصر) وان النصر آت لا محالة، ولا أدري من كان يخاطب العقيد القذافي.. هل يخاطب شعبه أم يخاطب العالم أم يخاطب نفسه، حقيقة ليس ثمة جهة موجه لها هذا الخطاب، ولكنه يوحي بأن الرجل سعيد!! ربما يستغرب البعض هذا، وأقول بأن مبعث سعادة القذافي يكمن بأنه نجح في جر الغرب لدعم الثوار في ليبيا وبالتالي فإنه كما يظن قد فرغ الثورة من محتواها وحول الأنظار من ثورة الشعب الليبي إلى (العدوان الصليبي) ويخيل لي بأن القذافي سيضع كلمة (الله اكبر) على علم ليبيا الأخضر لتكتمل صورة (المجاهد الأكبر) التي يسعى اليها القذافي حتى وإن كان الثمن إبادة الشعب الليبي.

والقذافي ليس بالمجنون بل هو رجل خطير ومن تابع الأحداث سيجد بأن قادة أفريقيا لم يكونوا ضده. بعض دول العالم الكبرى ترددت في التصويت على القرار1973 ربما لأنها تدرك جيدا بأنه قد لا يسقط وستكون العواقب الاقتصادية سلبية عليهم خاصة الصين وألمانيا وروسيا.