التونسيون قلقون

TT

قد يكون من الخطأ وصف جميع التونسيين بأن لديهم مشاعر قلق إزاء مظاهر المد الإسلامي في الفضاء العمومي التونسي، ولكن الصراحة ومواجهة الواقع بحذافيره تقتضي التسليم بحقيقة وجود قلق متفاوت الدرجات، وأحيانا يبلغ لدى البعض حالة الخوف.

وقد لا نبالغ إذا قلنا إن القلق الذي يهيمن على الكثير من التونسيين له ما يبرره، وأبعد ما يكون عن المجانية. وربما ما يزيد من حدة القلق والتوجس المشار إليهما أن البلاد لم تتجاوز بعد المرحلة الانتقالية، باعتبار أن الانتقال إلى مرحلة تحظى بالشرعية الشعبية من شأنه أن يكبح جماح التوجهات، مهما كانت آيديولوجياتها وروافدها الفكرية.

ولعل المظاهرة الإسلامية التي أقيمت الشهر السابق والمطالبة بحق النساء المحجبات في الاحتفاظ بحجابهن عند التصوير لاستخراج بطاقات هوية، من العلامات التي أججت القلق، خصوصا بظهور منتقبات في الشارع التونسي، إضافة إلى ما عرفته بعض المساجد في الآونة الأخيرة من بلبلة ومن توظيف سياسي جعل القلق يتنامى لدى الكثيرين، سواء النخب العلمانية أو حتى المواطنين العاديين.

طبعا لا ننسى أن الفضاء العمومي التونسي لم يتعود على الظهور الإسلامي الصريح علامة وخطابا، على الرغم من أن السنوات الأخيرة عرفت مظاهر تدين وشهد فيها الحجاب عودة قوية، ولم تتمكن الدولة، على الرغم من الحصار الشامل للإسلاميين، من تجفيف منابعهم، حيث ظلت الجهادية والسلفية الإسلاميتين قائمة الذات، بغض النظر عن حجم الظاهرة وتأثيرها.

من جهة أخرى، لم يقتصر القلق على النخب العلمانية والحقوقية وغيرها، بل إن الأحزاب السياسية لا تخفي حاليا قلقها، وإن كانت في مرحلة ما بعد الثورة تخفيه وتظهر عكسه إلى درجة تقديم أغلبية هذه الأحزاب ما يشبه بيانات دفاع شفوية تتعرض إلى معاناة الإسلاميين في تونس، التي هي في الواقع معاناة حقيقية مارس مرتكبوها ظلما كبيرا.

وبسبب دخول الأحزاب المعترف بها على خط القلق من حركة النهضة، بادر الغنوشي بالإعلان عن أن حركته لن تترشح على كل المقاعد، مما يفيد بأن قادة النهضة يتوخون تكتيكا سياسيا يهدف إلى استيعاب القلق بتذليل البعض من بواعثه.

وتصديا للمد الإسلامي، لم تتوان وزارة الداخلية عن رفض الترخيص لبعض الأحزاب ذات الأفكار الإسلامية المتطرفة، إضافة إلى تفكير الخبراء القانونيين وغيرهم في إدراج بند دستوري يمنع تجاوز نسبة معينة، وهو تفكير استباقي يدل على إجراء وقائي ضد أي هيمنة للإسلاميين، سواء في البرلمان أو في غير ذلك من المؤسسات المهمة.

قد يبدو هذا القلق مستغربا، وفي تعارض مع رصيد تونس في مجال التحديث والانفتاح، ولكن عندما تتمعن في الأداة التي لازمت حراسة التحديث في تونس، سنجد أنه منذ بناء الدولة الوطنية إلى يوم اندلاع الثورة في 14 يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، ظلت الدولة هي الأداة التي تم من خلالها إرساء التحديث. وفي مقابل تكريس التحديث من خلال الدولة، فإن تضييق الخناق على الإسلاميين كان أيضا من خلال أداة الدولة.

فالمعركة المسكوت عنها اليوم تدور بين العلمانيين والإسلاميين. وتنطوي على امتحانات صعبة سواء بالنسبة للمرأة التونسية أو للنخب العلمانية، دون أن ننسى أنه امتحان سيخضع له المجتمع التونسي ككل، حيث سيتعرف العالم إلى مدى صدق حداثته وانفتاحه، تماما كما تعرف على قدرته في صنع الثورة.