النظام يريد إسقاط الشعب!

TT

الثورة المصرية تسير على طريق إتمام دائرتها بشكل كامل، دائرة تطلق نفسها من نظام قديم بسائر رموزه وسياساته، وتبدأ في إيجاد منظومة جديدة للحكم ليست مفصلة أو مصممة بالقياس لصالح شخص بعينه أو حزب ما. وخبر إعلان القبض والحجز بحق رئيس الجمهورية السابق، حسنى مبارك، ونجليه علاء وجمال، الذي وقع على مسامع الناس وكان بمثابة المذهل والمدهش، وضح أن الثورة وجيشها لا يحميان رئيسا سابقا ولا المقربين منه، وأن الجيش هو امتداد لثورة الشعب، كما عاهدهم منذ أول أيام الحدث الكبير في مصر.

الشعب تحقق له إسقاط النظام، وجار الآن إصلاح النظام الجديد وتأسيسه على أرضية صلبة وسليمة. الدول العربية بمختلف توجهاتها كان يهرع مسؤولو الأمن فيها إلى المتظاهرين لينصتوا بتمعن فيما يرددونه؛ هل صرخاتهم تقول إن الشعب يريد إسقاط أو إصلاح النظام؟ فالفرق شاسع بين الاثنين، ولكن بعض الأنظمة العربية الحاكمة تصرفت فعليا بشعار النظام يريد إسقاط الشعب، وقامت بقمع عشوائي دموي بحق الناس «أصحاب» المطالب العادلة، وقدمت تفاسير للعالم تبرر ما قامت به من إجراءات لا يمكن لأي عاقل وأشد محترم أن يصدقها. عندما يتابع أي شخص عادل وموضوعي التعليقات على أحداث العالم العربي ونسمات الربيع والحرية التي هبت عليه، فلا بد أن يتذكر كلمات المفكر الفرنسي المهم، صاحب كتاب «العقد الاجتماعي»، جان جاك روسو، وهو الذي مهدت أفكاره للثورة الفرنسية الهائلة في القرن الثامن عشر، ويذكر: «من كثرة ما تعودنا على العبودية نفقد حتى الرغبة في التخلص منها، وتصبح العبودية الخانعة راسخة في أعماق كل منا، لقد اعتدناها لدرجة أننا لم نعد نستطيع العيش من دونها»، وهذا معناه بوضوح أن أنظمة الاستبداد المقيتة تفسد حتى الروح، أو أنها تقتل حتى شرارة الروح من الداخل، وهذا أسوأ أنواع العبودية وأخطرها.

وكذلك كان للفيلسوف الألماني المشهور «إيمانويل كانط» موقف لافت من الثورة الفرنسية، ويعتبرها هي التي كشفت عن شيء مخبوء في أعماق النفس البشرية، ولم يكن الناس يعرفونه من قبل، وهو قابلية الجنس البشري للتطور والتقدم وتجسيد الحرية والديمقراطية ودولة القانون على «الأرض»، وكانت لديه قناعة تامة بأن هذا «إنجاز لا يُقدر بثمن، وكنز نحمله في أعماقنا دون أن ندري»، وبأسلوب أوضح، يعتبر كانط أن الثورة تؤكد أن هناك بذرة أخلاقية كامنة في أعماق الإنسان، تنتظر الظرف المناسب لكي تنمو وتتفتح بشكل جميل، ويذهب كانط أبعد بكلامه، ليقول، مؤكدا، إن حكم العقل والقانون والنظام ممكن، وإن الإنسان ليس محكوما عليه أن يعيش في ظل أنظمة الفساد والتعسف والاستبداد والسجون إلى الأبد؛ فالإنسانية بفطرتها قادرة على الخروج من دائرة العبودية والذل إلى آفاق الحرية والمسؤولية والكرامة. الفيلسوف الألماني العبقري الآخر «هيغل» كان له كلمات مهمة جدا في ذات السياق، فهو حيا وصفق بحرارة للثورة الفرنسية، ووصفها بأنها «إشراقة الشمس الرائعة»، ومن فرنسا نفسها اعتبر الفيلسوف الفرنسي، ميشال فوكو أن «التعاطف مع الثورة لا يقل أهمية عن المشاركة الفعلية فيها مباشرة، فالتعاطف يحيطها بحزام من الحب والدعم والحرارة التي تشع في كل مكان، بل إن التعاطف نفسه مع الثورة وتضحياتها يمثل علاقة لا تخطئ، على أنه يوجد في صميم الجنس البشري ميل إلى الرقي والتقدم الأخلاقي ونزعة للتمسك بالخير ورفض الشر الذي يتمثل في الذل والفساد والاستبداد والحكم البوليسي الرهيب». الثورة إذا جاءت لرفع الذل وفضح الفساد وإحلال العدل والكرامة في تطبيق للسنة الإلهية على الأرض، وهذا حق لا يمكن هزيمته مهما أراد النظام أن يغير الشعب.

[email protected]