الثورة الليبية.. والنفعية السياسية

TT

كان علي عجالي، رجل معمر القذافي في واشنطن حتى وقت قريب، ذكيا بشكل لافت للنظر. ومنذ ثمانية عشر شهرا، كتب عجالي مقالة رأي في جريدة «وول ستريت جورنال»، للدفاع عن الترحيب المتزلف في ليبيا للرجل المدان بتفجير الرحلة رقم 103 لشركة «بان أميركان». وقال عجالي إنه كان هناك دليل على أن الإرهابي كان «رجلا بريئا»، وأكد أن «الأشخاص الذين كانوا قد تابعوا الأحداث عن كثب سوف يعرفون أن ليبيا لديها سجل قوي في مناهضة الإرهاب».

ويوم الاثنين الماضي، وضع عجالي نسخة مصغرة من العلم الليبي الذي كان مستخدما قبل وصول القذافي إلى السلطة على سترته، وحمل مجموعة مختلفة من نقاط الحديث أمام معهد «إنتربرايز» الأميركي، حيث كان يجلس بالقرب من حليفه الجديد، بول وولفويتز، وزير الدفاع الأميركي في إدارة الرئيس السابق جورج بوش. وقال عجالي متحدثا عن نظام القذافي «إنه نظام إرهابي. ومنذ تاريخ وصول القذافي إلى السلطة في عام 1969، سوف تعرفون كيف كان الأميركيون هم أول من يعانون من نظام القذافي، بداية من تفجير ملهى (لا بِل) الليلي في برلين، وتفجير الطائرة التابعة لشركة اتحاد النقل الدولي الفرنسية، وتفجير طائرة (بان أميركان). وإذا بقي القذافي في موقعه، فصدقوني أنكم سوف ترون أكثر مما كنتم قد رأيتموه من قبل».

وعندما تحدى القذافي الرأي العام العالمي في شهر فبراير (شباط) الماضي، استقال عجالي من منصبه سفيرا لبلاده لدى الولايات المتحدة، ونصب نفسه مبعوثا للمعارضة. ويثير تغير رأيه المفاجئ بشأن القذافي سؤالا واضحا عن السبب وراء خدمته للنظام لمدة أربعة عقود. وأكد عجالي أنه كان يعارض النظام في السر على طول الخط، رغم أنه خدمه من دون أي شكوى، وعمل كواحد من أبرز أبواقه. وكان عجالي يأمل في أن يميل القذافي «ولو قليلا إلى الشعب» حسبما قال، لكنه صرح قائلا «لكنني لا أعتقد أنني حققت أهدافي».

وهناك تفسير آخر وهو أن عجالي قرر، مع اقتراب سقوط القنابل الأميركية على ليبيا، أن مستقبله سوف يكون أكثر بريقا إذا لم ينظر إليه على أنه ممثل القذافي في واشنطن، لكن وولفويتز، مستضيف عجالي في معهد (إنتربرايز) الأميركي، بدا وكأنه يتبنى هذه الرواية الحميدة. وقال وولفويتز «من وجهة نظري، لا يزال عجالي سفيرا لليبيا، ليبيا الحقيقية».

وبالطبع، كان وولفويتز وزملاؤه قد رحبوا بالمعارض العراقي المخادع أحمد الجلبي، والمعارضة العراقية بسذاجة مشابهة، وبالتالي بالغوا في تقدير قوة المعارضة المقاومة لصدام حسين. ومن غير المؤكد أن الظهور مع وولفويتز سوف يساعد عجالي على تقديم أسباب منطقية بشأن ضرورة الاعتراف بالمعارضة الليبية وتسليحها.

ويقف عجالي موقفا حرجا، مثلما هو الحال بالنسبة لسفراء آخرين في واشنطن لبعض الأنظمة التي سقطت فجأة في المنطقة. وقد احتفظ كل من السفير المصري والتونسي بشكل ذكي بمنصبيهما، رغم الثورتين اللتين وقعتا في بلادهما. لكن عجالي ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، ودشن حملة دعائية على صفحات جريدة «واشنطن بوست»، وفي النادي الوطني للصحافة، وفي معهد «إنتربرايز»، الأميركي لإسقاط زملائه السابقين.

ومن أجل تحقيق هذه الغاية، طمأن عجالي الحضور في معهد «إنتربرايز» الأميركي إلى أن المتطرفين والإسلاميين لن يسيطروا مطلقا على المعارضة في ليبيا، وأنه «ليس هناك مجال لحدوث هذا الأمر»، وأنه على الرغم من وجود «بعض أعضاء تنظيم القاعدة» في ليبيا، فإنهم «لا يشكلون جزءا من الانتفاضة».

لكن، بالنظر إلى سجله، هل يمكن تصديق عجالي؟

في عام 2009، قال عجالي «لقد كنا أحد الشركاء الأساسيين للغرب.. اعترضنا المتطرفين وهم في طريقهم إلى العراق من أجل شن هجمات على القوات الأميركية». لكن عجالي قال يوم الاثنين الماضي في معهد «إنتربرايز» الأميركي إن القذافي «أراد أن يصنع تمثالا لصدام حسين في ليبيا». وأضاف أن القذافي سمح لليبيين بالذهاب إلى العراق من أجل محاربة الأميركيين. وقال عجالي «إذا لم يكن القذافي يرغب في سفر هؤلاء الأفراد إلى العراق، فإنه كان بمقدوره أن يوقفهم».

ومنذ عامين، كتب عجالي مقالا في جريدة «واشنطن تايمز» ذكر فيه أن «الحكومة الليبية تتجلى في التمثيل الشعبي والديمقراطية المباشرة»، وأن «الشعب يحكم نفسه بنفسه في ليبيا». لكنه قال في معهد «إنتربرايز»: «خلال الأعوام الأربعين الأخيرة، لم تكن هناك أي طريقة أمام الناس للمشاركة في الحكومة».

وفي خطاب وجهه لصحيفة «نيويورك تايمز» خلال شهر أبريل (نيسان) عام 2009، قال عجالي إن «حقوق الإنسان هي مسألة نعمل في ليبيا على تحسينها»، مذكرا الأميركيين بتجاوزاتهم في معتقل غوانتانامو وسجن أبو غريب. وفي معهد «إنتربرايز» شبه عجالي القذافي بالزعيم النازي أدولف هتلر، وأشار إلى أن دعم ألمانيا للشعب الليبي كان يعتمد على تجربة مشتركة.

وقبل سقوط القنابل، دافع عجالي بشكل متكرر عن شرف القذافي. وقال ذات مرة «بخلاف الغرب، تمنعنا تقاليدنا الإسلامية والعربية من إهانة زعمائنا». وفي معهد «إنتربرايز»، اتهم عجالي القذافي بـ«الابتزاز»، وقال إنه «تورط في أعمال إرهابية من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب». وأضاف عجالي «من المؤسف أنه لا يوجد أي شيء يمكن أن نفخر به بسبب ما حدث لليبيا تحت قيادة القذافي الذي يحكم البلاد لأكثر من 41 عاما».

هذا صحيح. لكن هل يصدق عجالي نفسه؟

* خدمة «واشنطن بوست»