احذر من قراءة هذه المقالة

TT

«احذر من قراءة هذه المقالة». كان الأولى بي أن أقول: واحذر يا سيد خالد من كتابتها. لأنها تنطوي على ثورة على نفسي وعلى كل ما آمنت به طيلة حياتي.

سأل عامل المصعد الملياردير روكفلر: «يا مستر روكفلر، أنت تكرمني بدولار واحد عندما أصعد بك. في حين أن ابنك يعطيني خمسة دولارات، لم ذلك؟». أجابه قائلا: «معلوم، ابني يعطيك خمسة دولارات لأنه ابن روكفلر، ولكن أنا ابن من لأعطيك مثل ذلك؟».

في هذه النكتة كثير من الحكمة والدلالة. تذكرنا عندما نشير إلى شخص نبيل فنقول إنه «ابن عائلة». للكلمة بعد سياسي خطير. ابن العائلة رجل شايف عز وعينه شبعانة. يجعله ذلك يربأ بنفسه عن النقائص. من أسرار نزاهة رجال العهد الملكي في العراق أنهم كانوا جميعا تقريبا «أولاد عائلة»؛ آل السعدون، وآل العمري وآل النقيب وآل ساسون وآل المدفعي وآل السويدي وآل الشبيبي وآل بحر العلوم وآل الصدر وآل الكيلاني وهلم جرا. لا يمكن أن أتصور عبد المحسن السعدون يمد يده ويسرق شيئا من خزينة الدولة. لقد انتحر عندما تعذر عليه تنفيذ مطالب الشعب. قارنوا ذلك بالشلة التي جاء بها نظام صدام حسين. ومعظم من جاءت بهم الأنظمة الثورية من المحرومين وأعينهم جوعانة.

هذا شيء لمسته حتى في بريطانيا. لم نسمع عن تشرشل أو فوت أو إيدن أو هيوم أو بن أو مكملان يزور فاتورة للحصول على إيجار بيت أو أجرة تاكسي. ولكن هذا ما فعله بعض نواب حزب العمال، بما أدى إلى سجن اثنين منهم بجريمة السرقة والتزوير.

بعض مصائب العالم العربي ترجع لهذه الظاهرة: أبناء الذوات والطبقة المتوسطة في المدن الكبرى يحتقرون الكلية الحربية. ينصرفون لدراسة الأدب والتاريخ والحقوق ونحو ذلك. استقطبت الكليات الحربية أبناء الريف والقرى الفقيرة، لأنها تعطيهم مأوى ومأكلا ومخصصات شهرية. رأى بعضهم في العاصمة الترف والجاه والأناقة والنوادي الرفيعة والوجاهة التي عاشها «أبناء العوائل»، فطمحوا لمثلها وشعروا بالنقص والرغبة في الانتقام. تخرجوا ضباطا وأصبحوا جنرالات وبيدهم القوة. ولم لا يستعملونها لقلب كل شيء تحت شتى الشعارات السياسية؟ فعلوا ذلك ثم وجدوا كل هذه الثروات الكبيرة التي لم يحلموا بمثلها. وهات يا عمي الملعقة والطنجرة واغرف!

من أسرار انتشار الفساد أننا سلمنا الحكم في البلدان الثورية لأناس ذاقوا الحرمان والمذلة. الفكر الاشتراكي والتقدمي يعطيهم الأولوية في الحكم؛ لأنهم ذاقوا ذلك وعرفوا ألم الجوع. ولكن هذا لم ينعكس على المستوى العملي في أكثر الأحيان. أهناك حاجة لتذكير القارئ بعدد أحذية مدام تشاوشسكو التي حكمت رومانيا، وأين كان خروشوف يشتري ملابسه؟

أعود لقصة روكفلر التي أخذت تذكرني بالقذافي. قلت لنفسي لو أنني مواطن ليبي معارض لطالبت بتنحية القذافي فهو ابن من؟ وتعيين سيف الإسلام في مكانه لأنه ابن القذافي. وأعتقد أنه بالفعل أثقف وأكثر عصرنة وتقدمية من بعض من يقودون الثورة الآن.