حلف الناتو اتخذ القرار المناسب بخصوص ليبيا

TT

تصدرت ليبيا عناوين الصحف في الأسابيع الأخيرة على نحو مطابق للحقيقة. وفي هذا الصدد، عرضت آراء عدة، بما فيها تلك التي تؤيد عدم التدخل بأي صورة، وتلك التي تتهم المجتمع الدولي - الذي يعتبر حلف شمال الأطلسي (الناتو) جزءا منه - بعدم اتخاذ الإجراءات الكافية.

ويبدو أمرا إيجابيا تماما أن يثار مثل هذا الجدل. فالإعلام الحر المفتوح سمة أساسية من سمات المجتمعات الديمقراطية، ويعد، بالتبعية، إحدى القيم التي نناضل من أجل تأمينها للشعب الليبي.

وتؤكد هذه الآراء المتباينة التي تتصدر عناوين الصحف حقيقة أنه ليس من السهل على الإطلاق صياغة اتفاق شامل بشأن اتخاذ إجراء عسكري. غير أنه كان لزاما على المجتمع الدولي وحلف الناتو التدخل العسكري في ليبيا - وفعلنا هذا بالفعل سريعا. دعوني أشرح السبب، ولماذا أعتقد أن الإجراء الذي اتخذناه هو الإجراء الصحيح.

أولا، لم يكن من الممكن أن نتقاعس، في الوقت الذي شن فيه العقيد معمر القذافي هجومه العنيف ضد شعبه، نظرا لأنهم سعوا لتغيير نظام حكمه الاستبدادي. ومتحدية المناشدات الدولية بضبط النفس، شنت قوات القذافي هجمات وحشية ضد المدنيين الليبيين بالدبابات والأسلحة الثقيلة، إلى جانب استعانتها بالقناصة.

ثانيا، اعتمدت الإجراءات التي اتخذناها على دعم المجتمع الدولي، الذي شمل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ودول المنطقة، في كل خطوة قمنا بها. وحينما أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 1973 في 17 مارس (آذار)، وحصل على موافقة 10 أصوات فيما لم تعارضه أي دولة، كان ذلك دليل تاريخي على أنه مستعد للنهوض بمسؤولية تأمين الشعب الليبي ضد هجمات قوات القذافي المنظمة، والتي - وفقا للقرار 1970 بشأن ليبيا - «ربما ترقى إلى مرتبة جرائم ضد الإنسانية». وفي إطار هذا الجهد الدولي الشامل، طلب من حلف الناتو أن يلعب دورا أساسيا. وقد تولى حلفاء الناتو المسؤولية الكاملة عن تنفيذ جميع الجوانب العسكرية لهذا القرار: فرض حظر على الأسلحة وفرض منطقة الحظر الجوي وحماية المدنيين من خطر الهجمات. وقد رحبت مجموعة الاتصال حول ليبيا - التي تضم 21 دولة وممثلين من المنظمات الدولية والإقليمية البارزة - بقيادة حلف الناتو العمليات العسكرية في ليبيا في اجتماعها في الدوحة بقطر هذا الأسبوع.

اتفقنا على الالتزام بتفويض الأمم المتحدة عقب مناقشات مكثفة وتخطيط دقيق داخل حلف الناتو واعتمادا على التضامن بين الدول الثماني والعشرين الأعضاء في الأمم المتحدة.

ثالثا، يبذل حلف الناتو قصارى جهده من أجل وضع تفويض الأمم المتحدة موضع التنفيذ بشكل كامل على مدار الساعة. ومنذ أن تولينا قيادة المهمة العسكرية في ليبيا في 31 مارس (آذار) الماضي، لم يضعف نشاط عملياتنا. فقد قمنا بشن ما يزيد على 2,000 طلعة، وتم توجيه ضربات خلال 900 منها.

ما تغير هو الموقف في ليبيا. ففي الأيام الأولى، ركزت الطلعات الجوية على أهداف ثابتة - كانت لها مواقع معروفة. والآن، نحدد أهدافا ونوجه ضربات صوبها، ونقلل من قدرة قوات القذافي على القتال. نحن نستهدف دفاعات جوية ودبابات وناقلات أفراد مدرعة ومؤنا وإمدادات وقود. يخفي القذافي دباباته وأسلحته الثقيلة في مراكز المدينة وبالقرب من المدارس والمساجد، مظهرا عدم اكتراثه تماما بحياة المدنيين. وبالمقارنة، تشن طائرات حلف الناتو غاراتها بحرص ودقة شديدين بهدف زيادة فاعلية هجماتها إلى أقصى درجة ممكنة، وفي الوقت نفسه تقليل المخاطر بالنسبة للمدنيين إلى أدنى حد ممكن.

تشير عملياتنا العسكرية إلى أن القوات الموالية القذافي لا يمكنها القتال في المكان الذي تختاره ولا بالطريقة التي ترغب فيها ولا بالأسلحة التي تختارها ضد المدنيين الليبيين.

وفي سياق تفويض واضح ومتفق عليه على المستوى الدولي، يقوم حلفنا بمهمته بقوة وعزم، مدعوما بالدول الممتدة من المحيط القطبي الشمالي إلى الخليج العربي.

ويشكل حلف الناتو محورا مجربا ومختبرا لتنسيق جهود جميع الحلفاء. كما يقدم إطارا موثوقا به لتضمين مساهمات الشركاء. ومعا، يسهم الحلفاء والشركاء في وضع قراري الأمم المتحدة 1970 و1973 موضع التنفيذ. لدينا الإمكانات المطلوبة؛ ونحن نستخدمها بفاعلية ونجاح. ونحن ملتزمون بتوفير كل القوات اللازمة وأقصى درجة من المرونة في إطار تفويضنا. وفي يوم الخميس الماضي، أوضح وزراء خارجية حلف الناتو في اجتماعهم في برلين أننا سنواصل هذا الضغط على الأهداف الشرعية طالما كان هذا ضروريا.

في حلف الناتو، لدينا ثلاثة أهداف رئيسية. أولا، أن نوقف جميع الهجمات والتهديد بشن هجمات ضد المدنيين والمناطق التي يسكنها مدنيون. ثانيا، أن نرى انسحابا مؤكدا لجميع قوات النظام إلى قواعدها، بما في ذلك الانسحاب من المناطق السكنية التي احتلتها. أخيرا، يتعين على النظام أن يسمح بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة وشاملة وآمنة دون أي معوقات لجميع أفراد الشعب الليبي.

ومثلما أوضحت، لا يوجد في الأساس حل عسكري مجرد لهذه الأزمة. لهذا، يسعى المجتمع الدولي سعيا حثيثا إلى تسوية سياسية. وهي تسوية تضمن ألا تضيع مطالب الشعب المشروعة، بمرحلة انتقالية حقيقية والتمتع بمستقبل مشرق سدى.

* خدمة «واشنطن بوست»