عن كتاب لا يقرأ

TT

قرأت في مذكرات دونالد رامسفيلد «المعلوم والمجهول» مرة بعد مرة. ليس لقيمتها السياسية أو التاريخية أو الأدبية، ومع ذلك كررت المحاولة لعلي أعثر على شيء يستحق أن يكتب عنها، نقدا أو جدلا. لكنها كومة من الثأر والسخف والدفاع الفارغ عن النفس والأخطاء، مكتوبة كلها بأسلوب تقريري رديء.

وكنت أعتقد، في المرحلة التي اضطررنا إلى متابعة مؤتمرات وتصريحات رامسفيلد حول العراق وأفغانستان، أنه أسوأ (بأشواط) وزير دفاع في أسوأ إدارة أميركية في الذاكرة، وربما في التاريخ. وبعد قراءة المذكرات (يا له من عقاب ذاتي!) مرة بعد مرة، تأكدت أنني لم أكن مخطئا ولا مبالغا. بالعكس. كان هذا منذ أكثر من شهر وقد انتهيت إلى صرف النظر عن الكتابة. فما هي الفائدة في أن نلفت القراء إلى كتاب لا فائدة منه، ولا حتى من باب العلم والخبر.

وفي اللاوعي كنت أشعر أن لا موضوعية في الأمر. فبأي نفسية أو موقف يمكن أن تقرأ مذكرات الرجل الذي أوكلت إليه مهمة تدمير العراق؟! عندما تحدث روبرت ماكنمارا عن الأخطاء التي ارتكبها في حرب فيتنام، بكى حتى انهار. الأطفال الذين قتلهم دون أن يرى وجوههم، البيوت التي دمرها بعجزتها ونسائها وحقولها الزراعية. العسكريون الأميركيون الذين قتلوا أو فقدوا في أدغال لا يعرفون أسماءها. سمعة أميركا والوصمة التاريخية.

هذا التياه الفارغ يختال فوق جثث العراقيين والأفغانيين ومعهم طبعا جثث الجنود الأميركيين وصور أبو غريب. ويشير إلى «تقصير» ما، أيضا دون اعتذار. فقد كان في إمكانه أن يمنع بول بريمر (صاحب حذاء التنس الشهير) من إصدار القرار بحل الجيش العراقي، لكنه لم يفعل. «المجهول» الذي لا يقوله هو أن بريمر كان يتلقى التعليمات مباشرة من رجل لا يعرف أين يقع العراق على الخريطة، هو جورج بوش الذي ترك لنا أيضا مذكراته عن تلك المرحلة المهترئة من تاريخ أميركا وتفكك العالم.

حتى نهب متحف بغداد يدافع عنه العزيز رامفي. فالمسألة لم تكن بالحجم الذي صورته شبكات التلفزيون الأميركية. وهل سعادته هو الذي قال عندما سئل عن عمليات السرقة والسلب في العراق «إن السبب هو الحرية. فالرجال الأحرار يرتكبون الأخطاء والجرائم والأشياء الرديئة.

شيء لطيف واحد في هذا الكتاب الثقيل والممل، هو الملصق الانتخابي في حملة رونالد ريغان الذي يحذر إيحاء من «الدب الروسي»: «ثمة دب في الغابة. البعض يراه بسهولة. آخرون لا يرونه أبدا. البعض يقول إنه مدجن. آخرون يقولون إنه متوحش وخطر. وما دام من الصعب أن نعرف من على خطأ ومن على صواب، أليس من الفطنة أن نكون في قوة الدب؟!».