ترميم الأوطان

TT

حمل الأميركيون إلى العراق كل شيء إلا آلات الفرز الحديثة. وفيما ننتظر وينتظر العراقيون، دعونا لا نخفي بعض المشاعر. نحن مع إياد علاوي، وصل أم لم يصل. ونحن مع الوحدوي ولو خسر. وإياد علاوي القادم من تجربة طويلة وتحولات كثيرة، ليس غاندي ولا مانديلا. لكنه في معطيات العراق وتعقيدات هذا العالم العربي المفخخ، يمثل أفضل ما يمكن أن يحصل للعراق: فكر المصالحة والتآلف. أو ما سماه عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر: الوئام. وهي كلمة يكرهها أعداء العرب وخصومهم وحاسدوهم والمتربصون بأمانهم.

وإياد علاوي يمثل، على الأقل، عكس ما يمثله خصومه. وهو لم يتخرج من مدرسة صدام حسين بل كان خارجا عليها. وقد حاول صدام أن يضمه إلى لائحة الرفاق الذين سار في جنازاتهم وفشل.

النسبة التي حصل عليها إياد علاوي وتحالفه كانت مفاجئة للجميع؛ فهم يواجهون شبكات سياسية لا تتوانى عن اللجوء إلى العنف بأنواعه. كذلك من الصعب في العالم العربي مواجهة إغراءات السلطة وأساليب الضغط والاستعانة بالسفاكين والبطاشين. وهذا ليس حكرا على العراق. فقد أثبت اللبناني، الأنيق، المحب للسهر والسفر وعرض الكتب في ردهة المنزل، خصوصا الروحية منها، أنه عند الضرورة جزار عن بعد. وليس مثل أهل نيجيريا ورواندا. وعن قرب، إذا دعت الضرورة، ويختطف ضحاياه ويذبحهم، ويحتفظ بشيء من أعضائهم للتذكر.

لا نريد الدخول في خطابة، فالذين يخطبون في القتل أعلى صوتا وأوسع جمهورا. والذين يكتبون ضد كل أمل ويدعون إلى قطع كل زهرة ويعوون ضد كل خلق، يملأون العالم العربي، وها هم يعتلون المنابر التي كانت فقط للصوت الراقي والقلوب النبيلة.

كل ما نريد أن نقول إنه آن للعراق أن يترجل عن هذه الحلبة الدموية، وأن يضع حدا للجريمة الجماعية باسم الوطنية والقومية والدين. وفي هذه الخريطة الممزقة والمغطاة بالأشلاء، لا تبدو المهمة يسيرة. لكن من قال إن ترميم الأوطان عمل يسير.