الملعبة

TT

الكثير من الناس يعرفون (الزجل اللبناني) وهو عبارة عن مبارزة شعرية بين اثنين يجلسان حول المائدة وأمامهما إبريق من عصير العنب الأبيض الزحلاوي مع قليل من المزة.

يقابله أيضا فن (الرد) في الجزيرة العربية، وبعضهم يسميه (الردية)، أو (المحاورة) أو (الملعبة) وهذا الاسم الأخير هو الذي أفضل أن يطلق عليه، غير أن الشاعرين في هذا المضمار يتبارزان وهما وقوفا من دون طاولة ولا عصير ولا مزة، وهذا هو ما يجعل شعرهما أكثر حدة وجفافا.

وقبل أيام دعاني أحدهم (لتشريفه) - على حد قوله - في استراحته لكي أسلي وأمتع نفسي بـ(الملعبة)، ترددت قليلا في الموافقة، ولكنني عندما فكرت وجدت أنني فعلا في حاجة إلى شيء من اللعب، خصوصا أنه مضى علي أربعة أيام بلياليها لم ألعب على أحد، ولم يلعّبني فيها أحد.

فعقدت عزمي وانطلقت لا ألوي على شيء إلى أن وصلت للاستراحة التي وجدتها مكتظة بما لا يقل عن ثلاثين أو أربعين رجلا كانوا كلهم مع الأسف من طوال الشوارب.

وما إن أخذت مقعدي حتى بدأوا يجرعونني بأقداح القهوة المرة التي كادت في النهاية تخرج من مناخيري، وكلما قلت: (بس)، حلف صبّاب القهوة قائلا لي: بعد واحد.

كانت المحاورة أو الردود بين الشاعرين رتيبة ومملة وليس فيها أي وهج، ورغبة مني في طرد النعاس من أجفاني، تدخلت بينهما (كنزغة إبليس) مقترحا عليهما وأنا أمزح، أن يخوضا في محاورتهما بالحراك الدائر هذه الأيام بالبلاد العربية.

أعجبتهما الفكرة وتوقفا عن الرد، طالبين مني أن أرشدهما إلى الطريق، فقلت للأول: تقمص أنت شخصية الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وقلت للثاني: وأنت تقمص شخصية الأخ القائد معمر القذافي و(الميدان يا حميدان) وما صدقا على الله أنني فتحت لهما هذا المجال حتى (تنحنح) علي صالح ثم قال:

سلام يا معمر زبون المناعير

سلام يا رأس السطر والظفارة

أهل اليمن صاروا بوجهي طوابير

بغيت منك يا العقيد استشارة

فرد عليه معمر القذافي بحماس بعد أن نسف رداءه بعصبية على كتفه قائلا:

يا مرحبا بك يا علي وأقطع السير

الحر مثلك يكتفي بالإشارة

لا تلتفت للشعب لو قال تغيير

شف حسني مبارك حياته خسارة

وجاوبه علي صالح متحسرا ومتبرما في الوقت نفسه:

شعبي مخزن قات وأوضاعهم غير

زودن على التغيير فيهم نعاره

ليبيا يا معمر عسى الخاتمة خير

أما عمار الدار ولا دماره

واستمات معمر القذافي قائلا له وهو يهتف رافعا كلتا قبضتيه في الهواء:

لا ضاعت الأريا فلا يمكن أحير

طاردتهم في كل زنقة وحارة

رأسي كما ترسو كبار البوابير

صاحبك لولا الغرب شفت انتصاره

وقبل أن يسترسلا ويصلا إلى ما لا تحمد عقباه أوقفتهما قائلا لهما: كفى، كفى، يعطيكما الله عافية واحدة، تأخذانها بينكما بالمناصفة.

ونهضت من مكاني مغادرا المكان، لأبحث عن ملعبة أخرى فيها وجوه مسفرة وسافرة تفتح النفس.

[email protected]