من ينهي البلطجة في مصر؟

TT

بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 في مصر، تحدث الكثيرون عن بلطجية النظام الحاكم الذين اعتدوا على المتظاهرين بالجمال والخيول والسيوف والمديات والملوتوف (كوكتيل) في يوم الأربعاء الدامي (2 فبراير/ شباط 2011). ثم من بعدها تحدث المصريون عن خروج المجرمين من السجون في الداخل بعد أن فتح لهم وزير الداخلية الأسبق الأبواب من أجل ترويع الناس بهدف وضعهم بين نارين.. إما نظام البوليس الشمولي، وإما البلطجية. ما إن خلص المصريون من سياسة التخويف هذه من قبل النظام حتى دخلت مصر في تخويف جديد مفاده أن المطالبين بالتغيير الكامل للنظام هم من دعاة هدم الدولة، لذا فمن لا يقبل بتعديلات الدستور والإعلان الدستوري الذي كان للإخوان المسلمين اليد الطولى في تعديله فهو ممن يريدون هدم الدولة بكاملها. وهذا حديث طويل سأتعرض له في مقالات قادمة، لكن الأساس اليوم هو أن مصر تنتقل من حالة البلطجيات الفجة إلى أشكال جديدة منها، إن لم نتحسب لها فبكل تأكيد سيعيد نظام مبارك إنتاج نفسه مرة أخرى، ولكن بممثلين جدد أو لاعبين جدد.

منذ يوم 28 يناير 2011 عاش المصريون تحت تهديد البلطجية الذين أخرجهم حبيب العادلي من السجون المصرية الداخلية، أما اليوم فمصر لم تفتح فقط سجون الداخل لخروج البلطجية من حاملي السنج، بل فتحت سجون الخارج أيضا، بعد أن سمحت للكثيرين من إرهابيي الخارج وأشقائهم من الأمم الأخرى بالعودة إلى الوطن في صورة جيش طالباني قادم عبر الحدود.. ممن يقطعون أذن مواطن قبطي في محافظة قنا في جنوب مصر، إلى من يكفرون ويقتلون في الشوارع. وهذا خيار جديد وضع المصريون بصدده.. إما السلفية الجهادية وجيشها القادم من الخارج، وإما اعتدال «الإخوان» السابقين. ومع ذلك فهذا هو المشهد الأقل خطورة في موضوع البلطجية في مصر. فرغم خطورة هؤلاء البلطجية الذين ظهروا بكثافة في المشهد المصري، فإن المشهد أكثر تعقيدا من ذلك، كما أن حجم قطاع البلطجية أكبر من ذلك بكثير. إن البلطجة والنظام في مصر كانا وجهين لعملة واحدة، أحدهما بلطجة عارية بالسيوف والخناجر، والآخر بلطجة «آل كابون»، تلك الشخصية المعروفة من المافيا الإيطالية ومافيات نيويورك، ممن يلبسون البدل من ذوات الثلاث قطع، كما شاهدنا في فيلم «القدفاذر». قد تبدو البلطجة في مصر وكأنها زادت عما كانت عليه في السابق، ولكن الحقيقة أنها ستبدو كذلك لأنها أصبحت عارية ومكشوفة. ظاهرة البلطجة في مصر تحتاج إلى فهم أعمق، لأنها لن تكون حادثا عارضا، بل هي ظاهرة ستستمر معنا لسنين طويلة إن لم يحسم القائمون على الدولة موقفهم تجاه أي مصر يريدون؛ هل يريدون مصر ديمقراطية تعكس روح الثورة، أو أنهم يريدون مصر القديمة بقليل من التعديلات في الأشخاص وبعض القوانين؟ إذا كانت الثانية هي رؤيتهم، فنحن أمام تجديد شرعية للبلطجة بملابس جديدة وأقنعة أكثر نعومة.

للبلطجة جغرافيتها، ولها معادلاتها شديدة التعقيد في المجتمع المصري، التي لم تستطع الثورة فك طلاسمها حتى هذه اللحظة، ولكن قليلين يعملون الفكر في ظاهرة البلطجة، فالبلطجة ليست حدثا عارضا في مصر، فهي أمر متأصل في بنية النظام السابق، بدا عاريا عندما رفع عنه الغطاء «الشيك» والهيبة التي تأتي مع السلطان، لهذا نحن أمام حالة ليس من كشف البلطجة في مصر بل كشف الغطاء عنها. تفكيك بنية البلطجة أساسي في مصر، وتفكيك الحزب الوطني الذي كان حاكما هو بداية طيبة، ولكن البلطجة لم تتأصل فقط في الحزب الوطني، بل في مؤسسات أخرى، بعضها خشنة، ومؤسسات أخرى مثل الصحافة والإعلام، التي تبدو على السطح ناعمة، ولكنها كانت أوكار تغطية على البلطجية، وأحيانا تزويقا وتلميعا لهم، وبعضها ما زال يؤدي ذات المهمة، ولكن بوجوه جديدة.

لن يكون هناك أي معنى لثورة 25 يناير إن لم يفكك القائمون على الحكم بنية البلطجة التي ما زالت تسيطر في مصر والتي تروع الداخل وتثير جوا من الخوف والقلق في الخارج.. مطلوب إجراءات حاسمة وجادة تقنع الخارج بأن نظام فرض الإتاوات قد انتهى إلى غير رجعة، وحتى هذه اللحظة هذا الأمر ليس محسوما، و«الشاطر» يفهم.